Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 173-177)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إنما حرّم عَلَيكم المِيتة } لجمود الدم فيها ، وبعدها عن الاعتدال بانحراف المزاج { والدم } لاختلاطه بالفضلات النجسة البعيدة عن قبول الحياة والعدالة والنورية وعدم صلاحيته لذلك بعد لقصور النضج { ولحْم الخِنْزير } لغلبة السبعية والشره ومباشرة القاذورات والدياثة على طبعه فيولد في أكله مثل ذلك { وما أُهِلّ به لِغَير الله } أي : رفع الصوت بذبحه لغير الله يعني ما قصد بذبحه وأكله الشرك لمنافاته التوحيد سفيراً عن الشرك . ويفهم منه ما يقوي آكله به على الكلام ورفع الصوت لغير الله أي : كل ما يؤكل لا على التوحيد فهو محرّم على آكله { فمنِ اضطرّ } أي : من الجماعة { غير بَاغٍ } على مضطرّ آخر باستئثاره { ولا عَادٍ } سدّ الرمق { فلا إثمَ عليه } . { ما يَأْكُلون في بُطُونهم } أي : ملء بطونهم إلا ما هو وقود نار الحرمان وسبب اشتعال نيران الطبيعة الحاجبة عن نور الحق المعذبة بهيئات السوء المظلمة الموقعة صاحبها في جحيم الهيولى الجسمانية { ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم } عبارة عن شدّة غضبه عليهم وبعدهم عنه . { ليس البرّ أن تولوا وجوهكم } مشرق عالم الأرواح ومغرب عالم الأجساد ، فإنه تقيد واحتجاب { ولكن البرّ } برّ الموحدين الذين آمنوا بالله والمعاد في مقام الجمع ، إذ التوحيد في مقام الجمع يلزمه البقاء الأبديّ الذي هو المعاد الحقيقي . وشاهدوا الجمع في تفاصيل الكثرة ولم يحتجبوا بالجمع عن التفصيل الذي هو باطن عالم الملائكة وظاهر عالم النبيين . { والكِتَاب } الذي جمع ببين الظاهر بالأحكام والمعارف ، وأفاد علم الاستقامة ثم استقاموا بعد تمام التوحيد جمعاً وتفصيلاً بالأعمال المذكورة ، فإن الاستقامة عبارة عن وقوف جميع القوى على حدودها بالأمر الإلهي لتنوّرها بنور الروح عند تحقق صاحبها بالله في مقام البقاء بعد الفناء وذلك مقام العدالة ، فتكون هي في ظلّ الحق منخرطة في سلك الوحدة بكليتها . { على حبه } أي : في حال الاحتياج إليه والشحّ به ، كما قال ابن مسعود : أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح ، تأمل العيش ، وتخشى الفقر ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت لفلان : كذا ، ولفلان : كذا . قال الله تعالى : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [ الحشر ، الآية : 9 ] أو على حب الله لئلا يشغل قلبه عنه ولأنه تعالى يرضى بإيتائه أو على حبّ الإيتاء ، يعني : بطيب النفس ، فإن الكريم هو الفرح وطيب النفس بالإعطاء . ومن قوله : { وآتى المال } إلى قوله : { وآتى الزكاة } من باب العفة التي هي كمال القوة الشهوانية ووقوفها على حدّها فيما يتعلق بها ، وقوله : { والموفون بعَهْدهم إذا عَاهَدوا } من باب العدالة المستلزمة للحكمة التي هي كمال القوّة النطقية فإنها ما لم تعلم تبعة الغدر والخيانة وفائدة الفضيلة المقابلة لهما ، لم تف بالعهد . وقوله : { والصابرين في البأساء } أي : الشدّة والفقر { والضرّاء } أي : المرض والزمانة { وحين البأس } أي : الحرب من باب الشجاعة التي هي كمال القوّة الغضبية { أولئك } الموصوفون بهذه الفضائل كلها ، الثابتون في مقام الاستقامة { الذين صدقوا } الله في مواطن التجريد بأفعالهم التي هي البرّ كله { وأولئك هم المتقون } عن محبة غير الله حتى النفس ، المجرّدون عن غواشي النشأة والطبيعة . ويمكن أن يؤوّل المال بالعلم الذي هو مال القلب ، لأنه يقوى به ويستغنى ، أي : أعطي العلم مع كونه محبوباً ذوي قربى القوى الروحانية لقربها منه ، ويتامى القوى النفسانية لانقطاعها عن نور الروح الذي هو الأب الحقيقيّ ومساكين القوى الطبيعية لكونها دائمة السكون لثواب البدن وعلمها علم الأخلاق والسياسات الفاضلة . ثم إذا ارتوى من العلم ، علم المعارف والأخلاق والآداب والمعايش جملة وتفصيلاً وفرغ من نفسه ، أفاض على أبناء السبيل ، أي : السالكين والسائلين ، أي : طلبة العلم وفي فكّ رقاب عبدة الدنيا والشهوات من أسرهم بالوعظ والخطابة وأقام صلاة الحضور ، أي : أدامها بالمشاهدة ، وآتى ما يزكي نفسه عن النظر إلى الغير ، والتفاتات الخواطر بالنفي ، ومحو الصفات ، والموفون بعهد الأزل بملازمة التوحيد وإفناء الذات والآتية ، والصابرين في بأساء الافتقار إلى الله دائماً ، وضرّاء كسر النفس وقمع الهوى ، وحين بأس محاربة الشيطان ، أولئك الذين صدقوا الله فى الوفاء بعهده وعزيمة السلوك وعقده ، وأولئك هم المتقون عن الشرك ، المنزّهون عن البقية .