Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 213-215)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كان الناس أمّة واحدة } أي : على الفطرة ودين الحق ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " كلّ مولود يولد على الفطرة " ، وهو في عهد الفطرة الأولى على الحقيقة ، أو في زمن الطفولة ، أو في عهد آدم عليه السلام { كان الناس أمّة واحدة } ثم اختلفوا في النشأة بحسب اختلاف طبائعهم وغلبة صفات نفوسهم ، وتفرّق أهوائهم . فإن تضادّ أصول بنيتهم ومراكز أبدانهم باختلاف البقاع والأهوية ، اقتضى ذلك وكذا ما في طباعهم من جذب النفع الخاص ودفع الضرّ الخاص لاحتجاب كل بمادة بدنه واقتضاء الحكمة الإلهية ذلك لمصلحة النشوء والنماء يقتضي التعادي والتخالف { فبعثَ الله النبيين } ليدعوهم من الخلاف إلى الوفاق ، ومن الكثرة إلى الوحدة ، ومن العداوة إلى المحبة ، فتفرّقوا وتحزبوا عليهم وتميزوا ، فأمّا السفليون الذين رسخت في طباعهم محبة الباطل وغلب على قلوبهم الرين وطبع عليها وعميت وزال استعدادهم بغلبة هواهم ، فازدادوا خلافاً وعناداً ، فكأنهم ما اختلفوا إلا عند بعثهم وإتيانهم بالكتاب الذي هو سبب ظهور الحق والوفاق حسداً بينهم ، ناشئاً من عند أنفسهم ، وغلبة هواهم واحتجابهم . وأمّا العلويون الذين بقوا على الصفاء الأصليّ والاستعداد الأول فهداهم الله إلى الحق الذي اختلفوا فيه وزال خلافهم وسلكوا الصراط المستقيم . { أم حَسِبْتم أن تَدْخلوا } جنّة تجلّي الجمال { ولما يَأْتكم } حال { الذين } مضوا { من قَبْلكم مستهم } بأساء الترك والتجريد والفقر والافتقار ، وضرّاء المجاهدة والرياضة وكسر النفس بالعبادة { وزلزلوا } بدواعي الشوق والمحبة عن مقارّ نفوسهم ليظهروا ما في استعدادهم بالقوّة { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نَصْر الله } أي : حتى تضجروا من طول مدّة الحجاب ، وكثرة الجهاد من الفراق ، وعيل صبرهم عن مشاهدة الجمال ، وذوق الوصال ، وطلبوا نصر الله بالتجلي على قمع صفات النفوس مع قوة مصابرتهم ، وحسن تحملهم ، لما يفعل المحبوب ويريد بهم من ابتلائهم بالهجران ، وإذاقتهم طعم الفرقة لاشتداد قوة المحبة ، فكيف بغيرهم ؟ فأجيبوا إذا بلغ جهدهم ونفدت طاقتهم وقيل لهم { ألا إنّ نصر الله قريب } أي : رفع الحجاب وظهرت آثار الجمال .