Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 285-286)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ آمَنَ الرسول بما أُنْزِل إليه من ربه } صدقه بقبوله والتخلق به ، كما قالت عائشة : " كان خلقه القرآن والترقي بمعانيه والتحقق " . { والمؤمنون كل آمن بالله } وحده جميعاً { وملائكته وكتبه ورسله } أي : وحده تفصيلاً عند الاستقامة مشاهداً لوحدته في صورة تلك الكثرة معطياً لكل تجلّ من تجلياته في مظهر من مظاهره وحكمه { لا نفرّق } أي : يقولون : لا نفرّق بينهم بردّ بعض وقبول بعض ، ولا نشك في كونهم على الحق وبالحق لشهود التوحيد ومشاهدة الحق فيهم بالحق { وقالوا سمعنا } أي : أجبنا ربّنا في كتبه ورسله ونزول ملائكته واستقمنا في سيرنا { غفرانك ربّنا } أي : اغفر لنا وجوداتنا وصفاتنا وامحها بوجودك ووجود صفاتك { وإليك المصير } بالفناء فيك . { لا يكلف الله نفساً إلاّ وُسعها } لا يحملها إلاّ ما يسعها ، ولا يضيق به طوقها واستعدادها من التجليات ، فإن حظ كلّ أحد من الكشوف والتجليات ما يطيق به وعاء استعداده الموهوب له في الأزل من الفيض الأقدس ، ولا يضيق عليه { لها ما كَسَبت } من الخيرات والعلوم والكمالات والكشوف على أيّ وجد ، سواء كانت بقصدها أو لا بقصدها ، فإنها من عالم النور فالخيرات كلها ذاتية لها ، ترجع فائدتها إليها دون الشرور من الجهالات والرذائل والمعاصي والنقائص ، فإنها أمور ظلمانية غريبة عن جوهرها فلا تضرّها ولا تلحق تبعتها بها إلا إذا كانت منجذبة إليها متوجهة بالقصد والاعتمال لتكسبها ولهذا ورد في الحديث : " إن صاحب اليمين يكتب كل حسنة تصدر عن صاحبها في الحال ، وصاحب الشمال لا يكتب حتى تمضي عليه ست ساعات ، فإن استغفر فيها وتاب أو ندم ، فلم يكتب ، وإن أصرّ كتب " والمراد بالنفس ها هنا الذات وإلا لكان الأمر بالعكس ، فيكون حينئذ معناه لا يكلفها إلا ما يسعها ويتيسر لها من الأعمال دون مدى الجهد والطاقة وذكر الكسب في موضع الخير لكونها غير معتنية به معتملة له ، والاكتساب في موضع الشرّ لكونها منجذبة إليه ، معتملة له بالقصد ، لكونها مأوى الشرّ . { ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا } عهدك { أو أخطأنا } في العمل لما سواك ، والقران على فراقك محتجبين عنك ، فإنّا غرباء ، بُعَدَاء ، طال العهد بنا مسافرين عنك ، ممتحنين في الظلمات بأنواع البلاء ، ولا قدر ولا مقدار لنا في حضرتك ، حتى تؤاخذنا بذنوبنا { ربنا ولا تحْمِلْ علينا إصْراً } في ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا ، فتأصرنا وتحبسنا في مكاننا مهجورين عنك ، فإنه لا ثقل أثقل منها { كما حملته على الذين من قَبْلِنا } من المحتجبين بظواهر الأفعال أو بواطن الصفات { ربنا ولا تُحَملنا ما لا طاقة لنا به } من ثقل الهجران والحرمان عن وصالك ، ومشاهدة جمالك ، بحجب جلالك { واعْف عنا } سيئات أفعالنا وصفاتنا فإنها كلها سيئات حجبتنا عنك ، وحرمتنا برد عفوك ولذة رضوانك { واغفر لنا } ذنوب وجوداتنا فإنها أكبر الكبائر كما قيل . @ إذا قلت ما أذنبت قالت مجيبة وجودك ذنب لا يقاس به ذنب @@ { وارْحَمنا } بالوجود الموهوب بعد الفناء { أنت مَوْلانا } ناصرنا ومتولي أمورنا { فانْصرنا } فإنّ من حق الوليّ أن ينصر من يتولاّه ، أو سيدنا ، ومن حقّ السيد أن ينصر عبيده { على القَوم الكَافِرينَ } من قوى نفوسنا الأمّارة وصفاتها ، وجنود شياطين أوهامنا وخيالاتنا ، المحجوبين عنك ، الحاجبين إيّانا بكفرها وظلمتها .