Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 62-95)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ولا نُكلف نفساً إلاّ وُسعها } أي : لا نكلف كل أحد بمقامات السابقين فإنها مقامات لا يبلغها إلا الأفراد كما قيل : جلّ جناب الحق أن يكون شريعة لكل وارد ، أو يطلع عليه إلا واحد بعد واحد ، بل كل مكلف بما يقتضيه استعداده بهويته من كماله اللائق به . وهو غاية وسعه . { ولدينا كتاب } هو اللوح المحفوظ أو أمّ الكتاب يَنْطق بمراتب استعداد كل نفس وحدود كمالاتها وغاياتها ، وما هو حق كل منها { وهم لا يظلمون } بمنعهم عنه وحرمانهم إذا جاهدوا فيه وسعوا في طلبه بالرياضة ، بل يعطى كل ما أمكنه الوصول إليه وما يشتاقه في السلوك إليه . { بل } قلوب المحجوبين { في غمرة } غشاوات الهيولى وغفلة غامرة { من هذا } السبق وطلب الحق { ولهم أعمال } على خلاف ذلك موجبة للبعد عن هذا الباب تكاثف الحجاب ، أي : كما أن أعمال السابقين موجبة للترقي في التنوّر كشف الغطاء والوصول إلى الحق ، فأعمالهم موجبة للتسفل والتكدّر وغلظ الحجاب والطرد عن باب الحق لكونها في طلب الدنيا وشهواتها وهوى النفس ولذاتها . { هم لها عاملون } دائبون عليها مواظبون . وكلما سمعوا ذكر الآيات والكمالات ازدادوا عتوّاً وانهماكاً في الغيّ ، واستكباراً وتعمقاً في الباطل ، وهو النكوص على الأعقاب إلى مهاوي جحيم الطبيعة . ولما أبطلوا استعداداتهم وأطفؤوا أنوارها بالرين والطبع على مقتضى قوى النفس والطبع واشتدّ احتجابهم بالغواشي الهيولانية والهيئات الظلمانية عن نور الهدى والعقل ، لم يمكنهم تدبر القول ولم يفهموا حقائق التوحيد والعدل ، فنسبوه إلى الجنة ولم يعرفوه للتقابل بين النور والظلمة والتضادّ بين الباطل والحق وأنكروه وكرهوا الحق الذي جاء به . { ولو اتّبع الحق } الذي هو التوحيد والعدل ، أيّ الدعوة إلى الذات والصفات { أهواءهم } المتفرّقة في الباطل ، الناشئة من النفوس الظالمة ، المظلمة ، المحتجبة بالكثرة عن الوحدة لصار باطلاً لانعدام العدل الذي قامت به السموات والأرض والتوحيد الذي قامت به الذوات المجرّدة ، إذ بالوحدة بقاء حقائق الأشياء ، وبظلها الذي هو العدل ونظام الكثرات قوام الأرض والسماء فلزم فساد الكل . الصراط المستقيم الذي يدعوهم إليه هو طريق التوحيد المستلزم لحصول العدالة في النفس ووجود المحبة في القلب وشهود الوحدة في الروح . والذين يحتجبون عن عالم النور بالظلمات وعن العقل بالحس وعن القدس بالرجس إنما هم منهمكون في الظلم والبغضاء والعداوة والركون إلى الكثرة ، فلا جرم أنهم عن الصراط ناكبون منحرفون إلى ضدّه ، فهو في واد وهم في واد .