Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 103-105)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ واعْتَصمُوا بحَبْل الله جَميعاً } أي : بعهده في قوله : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُم } [ الأعراف ، الآية : 172 ] مجتمعين على التوحيد { ولا تُفرقوا } باختلاف الأهواء ، فإن التفرّق عن الحق إنما يكون باختلاف الطبائع واتباع الهوى وتجاذب القوى ، والموحد عنها بمعزل ، إذ تنوّر قلبه بنور الحق واستنارت نفسه من فيض القلب فتسالمت القوى وتصادقت . { واذْكروا نِعْمَةَ الله عَليكم } بالهداية إلى التوحيد المفيد للمحبة في القلوب { إذ كُنْتم أعْدَاء } لاحتجابكم بالحجب النفسانية والغواشي الطبيعية ، بُعَدَاء عن النور والمقاصد الكلية التي تقبل الشركة وتزال بالاتفاق في مهوى الظلمة { فألّف بينَ قُلُوبكم } بالتحابّ في الله لتتنوّر بنوره { فأصبحتُم بِنِعْمته إخواناً } في الدين ، أصدقاء في الله { وكنتم على شَفَا حُفْرة من النار } هي مهوى الطبيعة الفاسقة ومحل الحرمان والتعذيب { فأنقذكُم منها } بالتواصل الحقيقيّ بينكم إلى سدرة مقام الروح ، وروح جنة الذات { كذلك يبيّن الله لكم آياته } بتجليات الصفات اللطيفة والإشراقات النورية { لعلكم تَهْتدون } إلى جماله وتجلي ذاته . { ولتكن منكم أمة يَدْعون إلى الخَيْر } أي : ليكن من جملتكم جماعة عالمون ، عاملون ، عارفون ، أولو استقامة في الدين كشيوخ الطريقة { يدعونَ إلى الخَير } فإن من لم يعرف الله لم يعرف الخير ، إذ الخير المطلق هو الكمال المطلق الذي يمكن للإنسان بحسب النوع من معرفة الحق تعالى ، والوصول إليه ، والإضافي ما يتوصل به إلى المطلق أو الكمال المخصوص بكلّ أحد على حسب اقتضاء استعداده الخاص . فالخير المدعوّ إليه ، إما الحق تعالى ، وإما طريق الوصول . والمعروف كل أمر واجب أو مندوب في الدين ، يتقرّب به إلى الله تعالى ، والمنكر كلّ محرّم أو مكروه يبعد عن الله تعالى ويجعل فاعله عاصياً أو مقصراً مذموماً . فمن لم يكن له التوحيد والاستقامة ، لم يكن له مقام الدعوة ولا مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن غير الموحد ربما يدعو إلى طاعة غير الله وغير المستقيم فى الدين وإن كان موحداً ربما أمر بما هو معروف عنده ، منكر في نفس الأمر وربما نهى عما هو منكر عنده ، معروف في نفس الأمر ، كمن بلغ مقام الجمع واحتجب بالحق عن الخلق ، فكثيراً ما يستحلّ محرّماً كبعض المسكرات والتصرّف في أموال الناس ، ويحرّم حلالاً بل مندوباً كتواضع الخلق ومكافأة الإحسان وأمثال ذلك { وأولئك هُم } الأخصاء بالفلاح ، الذين لم يبق لهم حجاب وهم خلفاء الله في أرضه . { ولا تكونوا } ناشئين بمقتضى طباعكم غير متابعين لإمام ولا متفقين على كلمة واحدة باتباع مقدم يجمعكم على طريقة واحدة { كالذين تفرقوا } واتبعوا الأهواء والبدع { واختلفوا من بعد ما جَاءَهم } الحجج العقلية والشرعية الموجبة لاتحاد الوجهة ، واتفاق الكلمة . فإن للناس طبائع وغرائز مختلفة وأهواء متفرّقة ، وعادات وسيراً متفاوتة ، مستفادة من أمزجتهم وأهويتهم ، ويترتب على ذلك فهوم متباينة ، وأخلاق متعادية ، فإن لم يكن لهم مقتدى وإمام تتحد عقائدهم وسيرهم وآراؤهم بمتابعته ، وتتفق كلماتهم وعاداتهم وأهواؤهم بمحبته وطاعته كانوا مهملين متفرّقين فرائس للشيطان كشريدة الغنم تكون للذئب ، ولهذا قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام : " لا بدّ للناس من إمام برّ أو فاجر " . ولم يرسل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم رجلين فصاعداً لشأن إلا وأمر أحدهما على الآخر وأمر الآخر بطاعته ومتابعته ليتحد الأمر وينتظم ، وإلا وقع الهرج والمرج ، واضطراب أمر الدين والدنيا ، واختلّ نظام المعاش والمعاد . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فارق الجماعة قيد شبر لم ير بحبوحة الجنّة " وقال صلى الله عليه وسلم : " الله مع الجماعة " ألا ترى أن الجمعية الإنسانية إذا لم تنضبط برياسة القلب وطاعة العقل كيف اختل نظامها وآلت إلى الفساد والتفرّق الموجب لخسارة الدنيا والآخرة ، ولما نزل قوله تعالى : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِه } [ الأنعام ، الآية : 153 ] . " خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطّاً فقال : " هذا سبيل الرشد " ، ثم خطّ عن يمينه وشماله خطوطاً فقال : " هذه سبل كلّ سبيل شيطان يدعوه إليه " " .