Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 23-26)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قال رجلان من الذين يخافون } كانا من النقباء الإثني عشر وهم : العقل النظري والعقل العلمي يخافون سوء عاقبة ملازمة الجسم ووبال العقوبة بهيآته المظلمة { أنعَمَ الله عليهماْ } بالهداية إلى الطريق المسقيم والدين القويم { ادْخلوا عليهم الباب } باب قرية القلب وهو التوكل بتجلي الأفعال كما أنّ باب قرية الروح هو الرضا { فإذا } دخلتم مقام التوكل الذي هو باب القرية { فإنكم غَالِبون } بخروجكم عن أفعالكم وعن أحوالكم وبكونكم فاعلين بالله ، وإذا كان الحول والقوة بالله يهرب شيطان الوهم والتخيل والهوى والغضب منكم فغلبتم عليهم . ويدلّ على أن الباب هو التوكل قوله : { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } بالحقيقة ، إذ الإيمان بالغيبة عن المؤمن به أقل درجات حضور تجلي الأفعال { قالوا يا موسى } أي : أصروا على إبائهم وامتناعهم عن الدخول { فاذْهَب أنتَ وربكَ } أي : إن كنت نبيّاً فادفعهم عنا بقوة نفسك ، واقمع الهوى ، وتلك القوى فينا بلا رياضة ومجاهدة منا ، وسل ربّك يدفعها عنا كما يقول الشطّار والوغود عند موعظتك إياهم ، وزجرك وتهديدك لهم . ادفع بهمتك عنا هذه الشقاوة إمّا استهزاء وعناداً وإما جدّاً واعتقاداً { إنّا ها هنا قاعدون } ملازمون مكاننا في مقام النفس ، معتكفون على هوى نفوسنا ولذات أبداننا كما قالوا : حطاً سمقاثاً . { قال فإنها محرّمة عليهم أربعين سنة يتِيهون في الأرض } هي مدة بقائهم في مقام النفس ، أي : بقوا في تيع الطبيعة يتحيرون أربعين سنة إلى قرية القلب ، فإنّ دخول مقام القلب مع استيلاء جبابرة صفات النفس عليه حرام ممتنع ، ولهذا قال تعالى : { بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } [ الأحقاف ، الآية : 15 ] ، فإنه وقت البلوغ الحقيقي . وقيل في قصة التيه : إنهم كانوا يسيرون جادّين طول النهار في ستة فراسخ ، فإذا أمسوا كانوا على المقام الذي ارتحلوا عنه ، أي : كان سعيهم في تحصيل المناجح الجسمانية والمباغي البدنية المحصورة في الجهات الست ولم يخرجوا عن الجهات بالتجرد ، فكانوا على المقام الأول لعدم توجههم إلى سمت القلب بطلب التجرد والتنزّه عن الهيآت البدنية والصفات النفسانية . وكان ينزل من السماء بالليل عمود من نار يسيرون وينتفعون بضوئه ، أي : ينزل عليهم نور عقل المعاش من سماء الروح فيهتدون به إلى مصالحهم . وقيل : من نار لأنه عقل مشوب بالوهم ليس عقلاً صرفاً ، وإلا لاهتدوا به إلى طريق القلب . وأما الغمام والمنّ والسلوى فقد مرّ ذكرها وتأويلها وقيل : كان على كل مولود ولد في التيه قميص بقدر قامته يزيد بزيادته ، يعنون به : لباس البدن والله أعلم . وإن شئت أن تطبق القصة على حالك أوّلت موسى بالقلب وهارون بالروح ، فإنه كان أخاه الأكبر ، ولهذا قال : { هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } [ القصص ، الآية : 34 ] وبني إسرائيل بالقوّة الروحانية ، والأرض المقدّسة بالنفس المطمئنة ، ثم أجريت القصة بحالها إلى آخرها . { فلا تَأْس } أي : لا تهتهم بهدايتهم ، ولا تغتمّ على عقوبتهم ، فإنهم فسقوا وخرجوا عن طريق القلب بهواهم وطغيانهم .