Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 27-30)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قال قرينه ربّنا ما أطغيته } هذه المقاولات كلها معنوية مثلت على سبيل التخييل والتصوير لاستحكام المعنى في القلب عند ارتسام مثاله في الخيال ، فادعاء الكافر الإطغاء على الشيطان وإنكار الشيطان إياه عبارة عن التنازع والتجاذب الواقع بين قوتيه الوهمية والعقلية ، بل بين كل اثنتين متضادتين من قواه كالغضبية والشهوية مثلاً ، ولهذا قال : { لا تختصموا } . ولما كان الأمران في وجوده هما العقلية والوهمية كان أصل التخاصم بينهما وكذا يقع التخاصم بين كل متحاورين متخاوضين في أمر لتوقع نفع أو لذة يتوافقان ما دام مطلوبهما حاصلاً ، فإذا حرما أو وقعا بسعيهما في خسران وعذاب ، تدارءا أو نسب كل منهما التسبب في ذلك إلى الآخر لاحتجابهما عن التوحيد وتبرىء كل منهما عن ذنبه لمحبة نفسه ، ولذلك قال حارثة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم : " ورأيت أهل لنار يتعاورون " . وصوّب عليه السلام قوله وقول الشيطان : { ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيدٍ } ، كقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ ق ، الآية : 22 ] لأنه لو لم يكن في ضلال عن طريق التوحيد بعيد عن الفطرة الأصلية بالتوجه إلى الجهة السفلية والتغشي بالغواشي المظلمة الطبيعية لم يقبل وسوسة الشيطان وقبل إلهام الملك ، فالذنب إنما يكون عليه بالاحتجاب عن نور الفطرة وكتساب الجنسية مع الشيطان في الظلمة ، والنهي عن الاختصام ليس المراد به انتهاؤهما بل عدم فائدته والاستماع إليه كأنه قال : لا اختصام مسموع عندي . وقد ثبت وصح تقديم الوعيد حيث أمكن انتفاعكم به لسلامة الآلات وبقاء الاستعداد ، فلم تنتفعوا به ولم ترفعوا لذلك رأساً حتى ترسخت الهيئات المظلمةفي نفوسكم ورانت على قلوبكم وتحقق الحجاب وحق القول بالعذاب ، فـ { ما يبدّل القول لدي } حينئذ لوجوب العذاب حال وقوعه { وما أنا بظلاّم } حيث وهبت الاستعداد وأنبأت على الكمال المناسب له وهديتكم إلى طريق اكستابه ، بل أنتم الظلامون أنفسكم باكتساب ما ينافيه وإضاعة الاستعداد بوضع النور في الظلمة واستبدال ما يفنى بما يبقى . { يوم نقول لجهنم هل امتلأت } أي : يوم يتكثر أهل النار حتى تستبعد الزيادة عليهم ولا تنتقص سعتها بهم ولا يسكن كلبها . وفي الحديث : " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد ؟ ! حتى يضع ربّ العزّة فيها قدمه ، فتقول : قط قط بعزتك وكرمك " ، أي : لا يزال الخلق يميلون إلى الطبيعة بالشهوة والحرص والطبيعة باقية على حالها ، جاذبة لما يناسبها ، قابلة لصورها الملاءمة لها ، ملقية لما قبلت إلى أسفل الدركات إلى ما لا يتناهى حتى يصل إليها أثر نور الكمال الوارد على القلب فتنور به وتنتهي عن فعلها . وعبر عن تشعشع النور الإلهي من القلب على النفس بقدم ربّ العزة القوي على قهرها ومنعها عن فعلها وإجبارها على موافقة القلب ، فتقول : قطني ، قطني .