Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 1-9)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الرحمن } اسم خاص من أسماء الله تعالى باعتبار إفاضة أصول النعم كلها من الأعيان وكمالاتها الأولية بحسب البداية ، وإنما أورد ها هنا لعموم وصفيته الشاملة للأوصاف التي تحت معناه في المبدئية ليسند إليه الأصول المختلفة الواردة بعده . { علَّم القرآن } أي : الاستعداد الكامل الإنساني المسمى بالعقل القرآني الجامع للأشياء كلها ، حقائقها وأوصافها وأحكامها إلى غير ذلك مما يمكن وجوده ويمتنع بإبداعه في الفطرة الإنسانية وركزه فيها ولأن ظهوره وبروزه إلى الفعل بتفصيل ما جمع فيه . وصيرورته فرقاناً إنما تكون بحسب النهاية ما ذكر الفرقان كما ذكره في قوله : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ } [ الفرقان ، الآية : 1 ] لأنه من باب الرحمة الرحيمية لا الرحمانية . { خَلَق الإنسان } أي : لما أبدع فطرته وأودع العقل القرآني فيها أبرزه في هذه النشأة بخلقه في هذه الصورة العجيبة { علّمه البيان } أي : النطق المميز إياه عن جميع ما سواه من المخلوقات ليخبر به عما في باطنه من العقل القرآني . { الشمس والقمر } أي : الروح والقلب يجريان فيه ويسيران بحساب ، أي : قدر معلوم من منازلهما ومراتبهما مضبوط لا يجاوز أحدهما قدره ومرتبته التي عينت له ، فلكل منهما كمالات ومراتب محدودة القدر معلومة الغاية تنتهي إليها { والنَّجم } أي : النفس الحيوانية النورانية بالشعور الحسي في ليل الجسم { والشجر } أي : النفس النباتية المنمية له . { يسجدان } بتوجههما إلى أرض الجسد ووضع جبهتهما عليها بالميل والإقبال الكلي نحوها لتربيتها وإنمائه وتكميلها . { والسماء } أي : سماء العقل { رفعها } إلى محل شمس الروح وثمر القلب { ووضع } أي : خفض ميزان العدل إلى أرض النفس والبدن . فإن العدالة هيئة نفسانية لولاها لما حصلت الفضيلة الإنسانية ومنه الاعتدال في البدن الذي لو لم يكن لما وجد ولم يبق ولما استقام أمر الدين والدنيا بالعدل ، واستتب كمال النفس والبدن به بحيث لولاه لفسدا . أمر بمراعاته ومحافظته قبل تعديد الأصول بتمامها لشدة العناية به وفرط الاهتمام بأمره ، فوسط بينه وبين قوله : { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [ الرحمن ، الآية : 10 ] . قوله : { ألا تطغوا في الميزان } بالإفراط عن حدّ الفضيلة والاعتدال ، فيلزم الجور الموجب للفساد { وأقيموا الوَزْن بالقِسْط } بالاستقامة في الطريقة ، وملازمة حدّ الفضيلة ونقطة الاعتدال في جميع الأمور وكل القوى { ولا تخسروا الميزان } بالتفريط عن حد الفضيلة . قال بعض الحكماء : العدل ميزان الله تعالى ، وضعه للخلق ونصبه للحق .