Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 30-30)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم } في القيامة الكبرى وهو تصوير لحالهم في الاحتجاب والبعد وإلا لم يكن ثم قول ولا جواب ، لحرمانهم عن لحضور والشهود ، وإن كانوا في عين الجمع المطلق . واعلم أن الوقف على الشيء غير الوقوف معه ، فإن الوقوف مع الشيء يكون طوعاً ورغبة ، والوقف على الشيء لا يكون إلا كرهاً ونفرة ، فمن وقف مع الله بالتوحيد كمن قال : @ وقف الهوى من حيث أنت فليس لي متأخر عنه ولا متقدّم @@ لا يوقف للحساب ، بل هو من أهل الفوز الأكبر الذين قال فيهم : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [ الكهف ، الآية : 28 ] ، { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } [ الأنعام ، الآية : 52 ] ويثاب بأنواع النعيم في الجنان كلها . ومن وقف مع الغير بالشرك وقف على الربّ وعذب بجميع أنواع العذاب في مراتب النيران كلها ، لكون حجابه أغلظ وكفره أعظم . ومن وقف مع الناسوت بمحبة اللّذات والشهوات ، ولبث في حجاب الآثار وقف على الملكوت وعذّب بنيران الحرمان عن المراد ، وسلّط عليه زبانية الهيآت المظلمة ، وقرن بشياطين الأهواء المردية . ومن وقف مع الأفعال وخرج عن حجاب الآثار ، وقف على الجبروت ، وعذّب بنار الطمع والرجاء ، وردّ إلى مقام الملكوت . ومن وقف مع الصفات وخرج عن حجاب الأفعال ، وقف على الذات ، وعذّب بنار الشوق في الهجران وإن كان من أهل الرضا وهذا الموقف ليس هو الموقف على الربّ ، فإن الموقوف على الذات يعرف ربّه الموصوف بصفات اللطف كالرحيم ، والرؤوف ، والكريم ، دون الموقوف على الربّ فهو حجاب الأنية كما أنّ الواقف مع الأفعال في حجاب أوصافه ، والواقف مع الناسوت في حجاب أفعاله التي هي من جملة الآثار . فالمشرك موقوف في المواقف الأربعة أولاً على الربّ فيحجب بالبعد والطرد ، كما قال : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] ، وقال : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } [ آل عمران ، الآية : 106 ] ، ثم على الجبروت فيطرد بالسخط والقهر كما قال : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ } [ آل عمران ، الآية : 77 ] ، ثم على الملكوت فيزجر بالغضب واللعن كما قيل : { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } [ الزمر ، الآية : 72 ] ثم على النار ، فيعذب بأنواع النيران أبداً ، كما قال على لسان مالك : { إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [ الزخرف ، الآية : 77 ] ، فيكون وقفه على النار متأخراً عن وقفه على الربّ ، معلولاً منه ، كما قال : { ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [ يونس ، الآية : 70 ] . وأما الواقف مع الناسوت فيقف للحساب على الملكوت ثم على النار ، وقد ينحى لعدم السخط وقد لا ينحى لوجوده . والواقف مع الأفعال لا يوقف على النار أصلاً ، بل يحاسب ويدخل الجنة . وأما الواقف مع الصفات فهو من الذين : { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [ المائدة ، الآية : 119 ] والله أعلم بحقائق الأمور .