Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 10-18)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ خلقتني من نار وخلقته من طين } خلقت القوّة الوهمية من ألطف أجزاء الروح الحيوانية التي تحدث في القلب من بخارية الأخلاط ولطافتها وترتقي إلى الدماغ ، وتلك الروح هي أحرّ ما في البدن فلذلك سمّاها ناراً . والحرارة توجب الصعود والترّفع ، وقد مرّ أن كل قوة ملكوتية تطلع على خواص ما تحتها دون ما فوقها وعلى الكمالات البدنية وخواصها وكمالات الروح الحيوانية وخواصها ، واحتجابها عن الكمالات الإنسانية الروحانية والقلبية هو صورة إنكارها وعلة إبائها واستكبارها ، وتعديها عن طورها بالحكم في المعاني المعقولة والمجرّدات والامتناع عن قبول حكم العقل هو صورة إبائها عن السجود . { فما يكون لك أن تتكبر فيها } إذ التكبر ، وهو التظاهر بما ليس فيه من الفضيلة من صفات النفس ، فلا يليق بالحضرة الروحانية التي تزعم أنك من أهلها بالترفع على العقل ، { فأخرج } ، فلست من أهلها الذين هم الأعزة { إنك من الصاغرين } من القوى النفسانية الملازمة للجهة السفلية الدائمة الهوان بملازمة الأبدان { إلى يوم يبعثون } من قبور الأبدان وأجداث صفات النفس بعد الموت الإرادي في القيامة الوسطى بحياة القلب وخلاص الفطرة من حجب النشأة ، أو يبعثون بعد الفناء في الوحدة في القيامة الكبرى بالوجود الموهوب الحقاني والحياة الحقيقية ، والمبعوث الأول هو المخلِص بكسر اللام ، والثاني هو المخلَص بالفتح ولا سبيل لإبليس إلى إغوائهما { فبما أغويتني } إقسام وإبليس محجوب عن الذات الأحدية دون الصفات والأفعال ، فشهوده للأفعال وتعظيمه لها إقسام بها كما أقسم بعزّته في قوله : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص ، الآية : 82 ] . { لأقعدنّ لهم صراطك } أي : أعترضنّ لهم في طريق التوحيد الذاتي وأمنعنّهم عن سلوكها بأن أشغلهم بما سواك ، ولآتينهم من الجهات الأربع التي يأتي منها العدوّ في الشاهد لأن إتيانه من أسفل ، أي : من جهة الأحكام الحسيّة والتدابير الجزئية من باب المصالح الدنيوية غير موجب للضلالة ، بل قد ينتفع به في العلوم الطبيعية والرياضية وبه يستعين العقل فيها كما مرّ في تأويل قوله : { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } [ المائدة ، الآية : 66 ] . وإتيانه من فوق غير ممكن له إذ الجهة العلوية هي التي تلي الروح ويرد منها الإلهامات الحقّة والإلقاءات الملكية وتفيض المعارف والحقائق الروحية فبقيت الجهات الأربع مواقع وساوسه . أما من بين يديه فبأن يؤمّنه من مكر الله ويغرّه بأن الله غفور رحيم فلا يخاف فيثبطه عن الطاعات . وأما من خلفه فبأن يخوّفه من الفقر وضيعة الأولاد من خلفه فيحرضه على الجمع والادخار لهم ولنفسه في المستقبل عند تأميله طول العمر . وأما من جهة اليمين ، فبأن يزّين عليه فضائله ويعجبه بفضله وعلمه وطاعته ويحجبه عن الله برؤية تفضيله . وأما عن شماله فبأن يحمله على المعاصي والمقابح ويدعوه إلى الشهوات واللذات . { ولا تجد أكثرهم شاكرين } مستعملين لقواهم وجوارحهم وما أنعم الله به عليهم في طريق الطاعة والتقرّب إلى الله . { لمن تبعك منهم لأملأن جهنم } الطبيعة التي هي أسفل مراتب الوجود { منكم أجمعين } محجوبين عن لذّة النعيم الأبديّ وذوق البقاء السرمدي والكمالات الروحانية والكمالات الحقانية معذبين بنيران الحرمان عن المراد في انقلابات عالم التضاد وتقلبات الكون والفساد .