Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 5-19)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ بل يريد الإنسان } ليدوم على الفجور بالميل إلى اللذات البدنية والشهوات البهيمية غارزاً رأسه فيها فيما بين يديه من الزمان الحاضر والمستقبل ، فيغفل عن القيامة لقصور نظره عنها كونه مقصوراً على اللذات العاجلة وفرط تهالكه عليها واحتجابه بها عن الآجلة سائلاً عنها متعنتاً مستبعداً إياها بقوله : { أيان يوم القيامة } { فإذا برق البصر } أي : تحير ودهش شاخصاً من فزع الموت { وخسف } قمر القلب لذهاب نور العقل عنه { وجمع } شمس الروح وقمر القلب بأن جعلا شيئاً واحداً طالعاً عن مغرب البدن لا يعتبر له رتبتان كما كان حال الحياة بل اتحدا روحاً واحداً { يقول الإنسان يومئذ أين المفرّ } أي : يطلب مهرباً ومحيصاً { كلا } ردع له عن طلب المفرّ { لا وزر } لا ملجأ { إلى ربّك يومئذ } خاصة مستقرّ من نار أو جنة مفوّض إليه لا إلى غيره ولا إلى اختياره أو إليه خاصة استقراره ورجوعه كقوله : { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } [ العلق ، الآية : 8 ] . { يُنبأ الإنسان يومئذ بما قدّم } من عمله الذي يوجب نجاته وثوابه من الخيرات والصالحات { وأخر } ففرّط وقصر فيه ولم يعمله { بل الإنسان على نفسه بصيرة } حجة بينة يشهد بعمله لبقاء هيئات أعماله المكتوبة عليه في نفسه ورسوخها في ذاته وصيرورة صفاته صورة أعضائه ، فلا حاجة إلى أن ينبأ من خارج { ولو ألقى معاذيره } أي : أرخى ستوره فاختفى بها عند ارتكاب تلك الأعمال . أو ولو ألقى أعذاره مجادلاً عن نفسه بكل معذرة . { ولا تحرّك به لسانك } أي : الإنسان عجول بالطبع كما قال : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } [ الأنبياء ، الآية : 37 ] فلذلك اختار العاجلة واحتجب بها عن الآجلة . ألا ترى أنك مع وفور سكينتك وكمال وقارك بالله تعجل عند إلقائنا الوحي إليك فتظهر نفسك لتتلقفه وهو ذنب حالك وحجاب وجودك ، وهو معنى قوله : { بل تحبون العاجلة * وتذرون الآخرة } فلا تفعل ولا تحرّك لسانك به ، فظهور نفسك واضطرابها عجلة به ولتكن قواك هادية ونفسك غائبة عن مورد الوحي وقلبك سالماً عن صفاتها خالصاً في التوجه آمناً عن حركة النفس . { إنّ علينا جمعه وقرآنه } إن علينا جمعه فيك وقرآنه أي : ليكن جمعه في مقام الوحدة وقراءتك إياه بنا فانياً عن ذاتك وفي عين الجمع حيث لم يكن لك وجود ولا بقية ولا عين ولا أثر { فإذا قرأناه } أوجدناه حال فنائك فينا { فاتّبع قرآنه } بالرجوع إلى مقام البقاء بعد اللفناء وظهور القلب والنفس فيّ ، ثم عند كونك في مقام التفصيل { إنّ علينا بيانه } وإظهار معانيه في حيز قلبك ونفسك مفصلة مشروحة .