Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 62-64)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " الذين آمنوا " : صفة للأولياء ، أو منصوب على المدح ، أو مرفوع به على تقدير : " هم " أو مبتدأ ، و " لهم البشرى " : خبر ، يقول الحق جل جلاله : { ألا إن أولياءَ الله } الذين يتولونه بالطاعة ، وهو يتولاهم بالكرامة { لا خوفٌ عليهم } من لحوق مكروه ، { ولا هم يحزنون } بفوات مأمول . ثم فسرهم بقوله : { الذين آمنوا وكانوا يتقون } ، فمن جمع بين الإيمان والتقوى فهو ولي أعني الولاية العامة وسيأتي بقية الكلام في الإشارة إن شاء الله ، { لهم البُشْرَى في الحياةِ الدنيا } وهو ما بشّر به المتقين في كتابه ، على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من الحفظ والعز والكفاية ، والنصر في الدنيا وما يثيبهم به في الآخرة ، أو ما يريهم من الرؤيا الصالحة يراها أو تُرى له . رُوي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو محبة الناس للرجل الصالح ، أو ما يتحفهم به من المكاشفات ، أو التوفيق لأنواع الطاعات ، أو بشرى الملائكة عند النزع ، أو رؤية المقعد قبل خروج الروح ، { وفي الآخرة } هي الجنة أو تلقي الملائكة إياهم عند الحشر بالبشرى والكرامة . { لا تبديل لكلماتِ الله } أي : لا تغيير لأقواله ، ولا اختلاف لمواعيده ، واستدل ابن عمر بالآية على أن القرآن لا يقدر أحد أن يُغيره ، { ذلك هو الفوز العظيم } الإشارة إلى كونهم مبشَّرين في الدارين ، أو لانتفاء الخوف والحزن عنهم مع ما بُشروا به ، والله تعالى أعلم . الإشارة : الولاية على قسمين : ولاية عامة ، وولاية عرفية خاصة ، فالولاية العامة ، هي التي ذكرها الحق تعالى : فكل من حقق الإيمان والتقوى فله من الولاية على قدر ما حصًّل منها ، والولاية الخاصة خاصة بأهل الفناء والبقاء ، الجامعين بين الحقيقة والشريعة ، بين الجذب والسلوك مع الزهد التام والمحبة الكاملة ، وصحبة من تحققت ولايته . فقد سئل عليه الصلاة والسلام عن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فقال : " الذينَ نَظَرُوا إلى بَاطِنِ الدنْيَا ، حينَ نَظََرَ النَّاسُ إلى ظََاهِرهَا ، واهْتَمُّوا بآجِلِ الدُّنيا حِين اهتَمَّ النَّاسُ بعَاجِلِها فأمَاتُوا منها ما خَشوا أن يُمِيتهم ، وتركوا منها ما عملوا أن سيتركُهُم ، فما عارضهم من نائلها عارض إلا رفضوه ، ولا خادعهم من رفعتها خادعٍ إلا وضعوه ، خلقتِ الدنيا في قلوبهم فما يجددونها وخربت بينهم فما يعمرونها ، وماتت في صدروهم فما يُحْيونها بل يهدمُونها ، فيبنون بها آخرتهم ، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم ، نظروا إلى أهلها صرْعى قد حلَّت بهم المَثُلات ، فما يرون أماناً دون ما يرجون ، ولا خوفاً دون ما يجدون " . وفي حديث آخر : قيل : يا رسول الله مَنْ أولياء الله ؟ قال : " المتحابَّون في الله " وقال القشيري رضي الله عنه : علامة الولي ثلاث : شغله بالله ، وفراره إلى الله ، وهمه الله . هـ . وقال أبو سعيد الخراز رضي الله عنه : إذا أراد الله أن يوالي عبداً من عباده فتح عليه باب ذكره ، فإذا اشتد ذكره فتح عليه باب القرب ، ثم رُفع إلى مجلس الأنس ، ثم أجلسه على كرسي التوحيد ، ثم رفع عنه الحجب وأدخله دار الفردانية ، وكشف له عن الجلال والعظمة ، فإذا عاين ذلك بقي بلا هو ، فحينئذٍ يفني نفسه ويبرأ من دعاويها . هـ . فأنت ترى كيف جعل الفناء هو نهاية السير والوصول إلى الولاية ، فَمن لا فناء له لا محبة له ، ومن لا محبة له لا ولاية له . وإلى ذلك أشار ابن الفارض رضي الله عنه ، في تائيته بقوله : @ فلمْ تهْوَني ما لم تكنْ فيّ فانِيّا ولم تَفنَ ما لَمْ تَجتَل فيكَ صُورتي @@ وقوله تعالى : { الذين أمنوا } أي : إيمان الخصوص ، { وكانوا يتقون } ما سوى الله فلا يطمئنون إلى شيء سواه ، { لهم البشرى في الحياة الدنيا } ، حلاوة الذوق والوجدان ، مع مقام الشهود والعيان ، { وفي الآخرة } بإدراك ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر ببال من المعارف والأسرار ، فمن أدرك هذا فليوطن نفسه على الإنكار . ولذلك سلَّى نبيه ، وينسحب على ورثته مما يلقونه من أهل الإنكار ، فقال : { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } .