Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 103, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { والعَصْرِ } أقسم تعالى بصلاة العصر لفضلها الباهر ، إذ قيل : هِي الصلاة الوسطى ، أو : بالعشيِّ الذي هو مابين الزوال والغروب ، كما أقسم بالضُحى ، أو بعصر النبوة ، لظهور فضله على سائر الأعصار ، أو بالدهر مطلقاً لانطوائه على تعاجيب الأمور النافعة والضارة ، وجوابه : { إِنَّ الإِنسانَ لفي خُسْرٍ } لفي خسران في متاجرهم ومساعيهم ، وصرف أعمارهم في حظوظهم وأمانيهم . { إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات } فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا ، فربحوا وسعدوا ، أو : فإنهم في تجارةٍ لن تبور ، حيث باعوا الفاني الخسيس ، وآثروا الباقي النفيس ، واستبدلوا الباقيات الصالحات بالعاديات الرائحات فيا لها من صفقة ما أربحها ! . وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم ، وقوله تعالى : { وتواصَوْا بالحق } بيان لتكميلهم لغيرهم ، أي : وصَّى بعضُهم بعضاً بالأمر الثابت ، الذي لا سبيل إلى إنكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره ، وهو الخير كله ، من الإيمان بالله عزّ وجل ، واتباع كتبه ورسله في كل عقد وعمل ، { وتواصَوْا بالصبرِ } عن المعاصي التي تُساق إليها النفس الأمّارة ، وعلى الطاعة التي يشق عليها أداؤها ، وعلى البلية التي تتوجه إليه من جهة قهريته تعالى ، وعلى النعمة بالقيام بتمام شكرها ، وتخصيص هذا التواصي بالذكر ، مع اندراجه تحت التواصي بالحق لإبراز كمال الاعتناء به ، أو : لأن الأول عبارة عن رتبة العبادة ، التي هي فعل ما يُرضي الله عزّ وجل ، والثاني عن العبودية التي هي الرضا بما فعل اللهُ تعالى ، فإنَّ المراد ليس مجرد حبس النفس عمّا تتوق إليه من فعلٍ وترك ، بل هو تلقي ما يَرِد منه تعالى بالجميل والرضا ظاهراً وباطناً . قاله أبو السعود . الإشارة : والعصر ، أي : عصر الذاكرين ، إنَّ الإنسان لفي خُسر ، حيث احتجب عن ربه بنفسه وبرؤيته وجوده ، إلاّ الذين آمنوا إيمان الخصوص ، وعملوا عمل الخصوص ، وهو خرق العوائد واكتساب الفوائد ، حتى وصلوا إلى كشف الحجاب ، فلم يروا مع الله غيره ، غابوا عن أنفسهم ، وعن وجودهم ووجود غيرهم في شهود محبوبهم فلمّا تكملوا اشتغلوا بتكميل غيرهم ، كما قال تعالى : { وتواصَوْا بالحق } أي : بفعل الحق ، وهو ما يثقل على النفس حتى لا يثقل عليها شيء ، أو بالإقبال على الحق ، وتواصَوْا على مشاق السير ، ثم على عكوف الهم في حضرة الحق . وبالله التوفيق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ، وسلّم .