Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 106, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : لإيلافِ : متعلق بقوله : " فليعبدوا " ، والفاء لِما في الكلام من معنى الشرط ، إذ المعنى : أنَّ نعم الله تعالى على قريش غير محصورة ، فإن لم يَعبدوا لسائر نِعَمه فليعبدوا لإيلافهم الرحلتين ، وجاز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها لانها زائدة غير عاطفة ، ولو كانت عاطفة لم يجز التقديم وقيل : يتعلق بمُضمر أي : فعلنا من إهلاك أصحاب الفيل لإيلاف قريش ، وقيل : بما قبله من قوله : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [ الفيل : 5 ] ، ويؤيده : أنهما في مصحف " أُبيّ " سورة واحدة بلا فصل ، والمعنى : أهلك مَن قصدهم مِن الحبشة ليتسامع الناس بذلك فيتهيبوا لهم زيادة تهيُّب ويحترموهم فضل احترام حتى يتنظم لهم الأمن في رحلتيهم . يقول الحق جلّ جلاله : { لإِيلافِ قريشٍ } أي : فلتعبد قريش رب هذا البيت لأجل إيلافهم الرحتلين ، وكانت لقريش رحلتان ، يرحلون في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام ، فيمتارون ويتّجرون ، وكانوا في رحلتهم آمنين لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته العزيز فلا يُتَعرّض لهم ، والناس بين مختطف ومنهوب . والإيلاف : مصدر ، من قولهم : ألفت المكان إيلافاً وإلافاً وإلفاً . وقريش : ولد النضر بن كنانة ، وقيل : ولد فهر بن مالك ، سُمُّوا بتصغير القِرْش ، وهو دابة عظيمة في البَحر ، تعبث بالسفن فلا تطاق إلا بالنار ، والتصغير للتفخيم ، سُمُّوا بذلك لشدتهم ومنعتهم تشبيهاً بها . وقيل : مِن القَرْش ، وهو الجمع والكسب لأنهم كانوا كسّابين بتجارتهم وضربهم في البلاد . وقوله تعالى : { إِيلافهم رحلةَ الشتاءِ والصيف } بدل من الأول ، أطلق الإيلاف ، ثم أبدل منه المقيّد بالرحلتين تفخيماً لأمر الإيلاف ، وتذكيراً لعظيم هذه النعمة . و " رحلة " : مفعول بإيلاف وأراد رحلتي الشتاء والصيف ، فأفرد لأمن الإلباس . { فليعبدوا رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهم } بسبب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منها بواسطة كونهم من جيرانه ، { من جوعٍ } شديد كانوا فيه قبلهما . قال الكلبي : أول مَن حمل السمراء من الشام ورحل إليها : هاشم بن عبد مناف . هـ . ولمّا بعث اللهُ نبيه ، الذي هو نبي الرحمة ، وأسلمت قريش ، أراح اللهُ الناسَ من تعب الرحلتين ، وجلبت إلى مكة الأرزاق من كل جانب ، ببركة طلعته صلى الله عليه وسلم . قال مالك بن دينار : ما سقطت أُمة من عين الله إلاّ ضرب أكبادهم بالجوع . وكان عليه الصلاة والسلام يقول : " اللهم إني أعوذ بك من الجوع ، فإنه بئس الضجيع " والمذموم هو الجوع المفرط ، الذي لم يصحبه في الباطن قوة ولا تأييد ، وإلاَّ فالجوع ممدوح عند الصوفية ، أعني الوسط . ثم قال تعالى : { وآمنهم من خوف } أي : من خوف عظيم وهو خوف أصحاب الفيل ، أو : من خوف الناس في أسفارهم أو : من القحط في بلدهم . وقيل : كان أصابتهم شدة حتى أكلوا الجِيَف والعظام المحرقة ، فرفعه الله عنهم بدعوته صلى الله عليه وسلم ، فهذا معنى : { أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } ، وقيل : الجذام ، فلا يصيبهم ببلدهم ، وذلك بدعاء إبراهيم عليه السلام بقوله : { ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً } [ البقرة : 126 ] الآية . الإشارة : كما أمَّن اللهُ أهل بيته أمَّن أهل نسبته ، فلا تجد فقيراً متجرداً إلاّ آمناً حيث ذهب ، والناس يُختطفون من حوله . قلت : وقد رأينا هذا الأمر عامَ حصر " سلامة " على تطوان ، فكان كل مَن خرج من تطوان يُنتهب أو يُقتل ، ونحن نذهب حيث شئنا آمنين بحفظ الله ، وهذا إذا لبسوا زي أهل النسبة ، من المُرقَّعة والسبحة والعصا ، فإن ترك زيَّه وأُخذ فقد ظلم نفسه ، وقد ترك بعضُ الفقراء زيَّه ، وسافر فتكشّط فقال له شيخه : أنت فرَّطت ، والمفرط أولى بالخسارة . هـ . ويُقال لأهل النسبة : فليعبدوا رَبَّ هذا البيت ، أي : بيت الحضرة التي طلبتموها ، أو : بيت النسبة التي سكنتم فيها ، الذي أطعمكم من جوعٍ ، حيثما توجتهم ، مائدتكم منصوبة ، وآمنكم من خوفٍ حيث سِرتم . والله تعالى أعلم ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله .