Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 118-119)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الاستثناء من ضمير " يزالون " . يقول الحق جل جلاله : { ولو شاء ربك لجعل الناسَ أمةً واحدة } ، متفقين على الإيمان أو الكفران ، لكن مقتضى الحكمة وجود الاختلاف ليظهر مقتضيات الأسماء في عالم الشهادة فاسمه : الرحيم يقتضي وجود من يستحق الكرم والرحمة ، وهم : أهل الإيمان . واسمه : المنتقم والقهار يقتضي وجود من يستحق الاتنقام والقهرية ، وهم أهل الكفر والعصيان . قال البيضاوي : وفيه دليل ظاهر على أن الأمر غير الإرادة ، وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد ، وأن ما أراد يجب وقوعه . هـ . { ولا يزالون مختلفين } بعضهم على الحق ، وهم أهل الرحمة والكرم وبعضهم على الباطل ، وهم أهل القهرية والانتقام . أو مختلفين في الأديان والملل والمذاهب ، { إلا من رَّحِمَ ربك } إلا ناساً هداهم الله من فضله ، فاتفقوا على ما هو أصل الدين والعمدة فيه ، كالتوحيد والإيمان بجميع الرسل وبما جاؤوا به ، وهم المؤمنون . وقوله : { ولذلك خلقهم } إن كان الضمير للناس ، فالإشارة إلى الاختلاف ، واللام للعاقبة ، أي : ولتكون عاقبتهم الاختلاف خلقهم ، وإن كان الضمير يعود على " من " ، فالإشارة إلى الرحمة ، أي : إلا من رحم ربك وللرحمة خلقه . { وتمت كلمة ربك } الأزلية على ما سبق له الشقاء ، أي : نفذ قضاؤه ووعيده في أهل الشقاء ، أو هي قوله للملائكة : { لأَملأَنِّ جهنم من الجَنَّة والناس أجمعين } أي من أهل العصيان منهما ، لا من جميعهما . الإشارة : الاختلاف بين الناس حكم أزلي ، لا محيدَ عنه . وقد وقع بين أهل الحق وبين أهل الباطل . فقد اختلف هذه الأمة في الأصول والفروع . أما الأصول فأهل توحيد الدليل وقع بينهم تخالف في صفات الحق ، كالمعتزلة والقدرية والجهمية والجبرية مع أهل السنة . وأما الفروع فالاختلاف بينهم شهير . فقد كان في أول الإسلام اثنا عشر مذهباً . ولا تجد علماً من علوم إلا وبين أهله اختلاف ، إلا أهل التوحيد الخاص ، وهم : المحققون من الصوفية ، فكلهم متفقون في الأذواق والوجدان ، وإن اختلفت طرقهم ، وكيفية سيرهم . فهم متفقون في النهايات ، التي هي معرفة الشهود والعيان ، على طريق الذوق والوجدان ، وفي ذلك يقول ابن البنا رحمه الله ـ : @ مَذاهبُ الناس على اختلاف ومذاهب القوم على ائتلاف @@ وأما قول من قال : [ ما زالت الصوفية بخير ما اختلفوا ، فإذا اتفقوا فلا خير فيهم ] ، فالمراد بالاختلاف : تغيير بعضهم على بعض ، عند ظهور نقص أو عيب أو ذنب . فإذا اتفقوا وسكت بعضهم عن بعض فلا خير فيهم . وقوله عليه الصلاة والسلام : " خلاف أمتي رحمة " المراد : الاختلاف في الفروع كاختلاف المذاهب ففي ذلك رخصة لأهل الاضطرار لأن من قلد عالماً لقي الله سالماً . والله تعالى أعلم . ثم ذكر حكمة سرد قصص الأنبياء : فقال : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ } .