Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 41-43)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : مَجْريها ومرساها : مشتقان من الجري والإرسال ، أي : الثبوت ، وهما إما ظرفان زمانيان ، أو مكانيان ، وإما مصدران ، والعامل فيهما : ما في بسم الله من معنى الفعل . وإعراب " بسم الله " : إما حال مقدرة من الضمير في " اركبوا " ، أي : اركبوا متبركين بسم الله ، أو قائلين : بسم الله ، وقت إجرائها وإرسائها . أو مجراها ومرساها : مبتدأ ، وبسم الله : خبر : فيوقف على فيها أي : إجراؤها وإرساؤها حاصل بسم الله . يقول الحق جل جلاله : وقال نوح لمن كان معه : { اركبوا } في السفينة وسيروا فيها . رُوي أنهم ركبوا أول يوم من رجب ، وقيل : يوم العاشر منه ، واستوت على الجودي يوم عاشوراء ، { بسم الله مَجْريها ومُرْساها } أي : متبركين بسم الله وقت إجرائها ، أو قائلين بسم الله وقت إجرائها وإرسائها ، رُوي : أنه عليه السلام كان إذا أراد أن يجري السفينة قال : بسم الله ، فتجري ، وإن أراد أن يوقفها قال : بسم الله ، فتوقف . { أن ربي لغفور رحيم } ، فلولا مغفرته لما فرط منكم ، ورحمته إياكم ، لَما أنجاكم . فركبوا مسلمين وساروا . { وهي تجري بهم في موج كالجبال } ، والموج : ما يرتفع من الماء عند اضطرابه ، أي : كل موجة من الطوفان كالجبال في تراكمها وارتفاعها ، وما قيل من أن الماء أطبق ما بين السماء والأرض ، وكانت السفينة تجري في جوفه ، لم يثبت . وكيف يكون الموج كالجبال ؟ والمشهور أنه علا شوامخ الجبال ، خمسة عشر ذراعاً ، وإنْ صح ذلك فلعل ارتفاع الموج كالجبال كان قبل التطبيق . { ونادى نوحٌ ابنَه } ، كان كنعمان . وقيل : كان لغير رشدة ، وهو خطأ لأن الأنبياء عُصمت من أن تزني أزواجهم . والمراد بالخيانة في قوله : { فَخَانَتَاهُمَا } [ التحريم : 10 ] . في الدين . { وكان في معزلٍ } في ناحية ، عزل نفسه فيها عن أبيه ، أو عن دينه ، فقال له أبوه : { يا بُنيَّ اركب معنا } في السفينة ، { ولا تكن مع الكافرين } في الدين أو في الأعتزال عنا ، وكان يظنه مؤمناً ، لإخفاء كفره . { قال سآوي إلى جبل يعصمُني } يمنعني { من الماء } ، فلا أغرق ، { قال لا عاصمَ اليوم من أمر الله إلا من رحم ربي } أي : إلا الراحم ، وهو الله فلا عاصم إلا أرحم الراحمين . أو : { لا عاصم } لا ذو عصمة إلا من رحم الله ، فلا معصوم إلا من رحمه الله . فالاستثناء حينئذٍ متصل . أو : لا عاصم اليوم من أمر الله لكن من رحمه الله فهو المعصوم . أو : لا ذو عصمة لكن الراحم يعصم من شاء ، والاستثناء منقطع . { وحال بينهما الموجُ } بين نوح وابنه ، { فكان من المغرَقين } فصار من المهلكين بالماء . رُوي أنه صنع بيتاً من زجاج ، وحمل معه طعامه وشرابه ، وصعد على وجه الماء فسلط الله عليه البول حتى غرق في بوله ، والله تعالى أعلم بشأنه . الإشارة : إذا دخل العارف في بحر الفناء ، وغاب عن حسه ورسمه ، واتصل معناه ببحر معاني الأسرار ، جرت سفينة فكرته في بحر الذات وأنوار الصفات ، فقال لأصحابه : اركبوا فيها ، بسم الله مجريها ومرساها ، إن ربي لغفور رحيم ، حيث غطى وصفكم بوصفه ، ونعتكم بنعته . فوصلكم بما منه إليه ، لا بما منكم إليه ، فصارت سفن الأفكار تجري بهم في موج كالجبال ، وهي تيار بحر الذات . فالخمرة الأزلية الخفية الصافية بحر لا ساحل له ، وما ظهر من أنوار الصفات أمواجه . فأنوار الآثار هي أمواج البحار ، وما عظم من أمواجه يسمى التيار ، ولذلك قيل : العارفون يغرقون في بحر الذات ، وتيار الصفات ، فتراهم إذا غرقوا في بحر الأسرار وتيار الأنوار ، وساروا فيها بمدد أسرارهم ، تلاطمت عليهم أمواجه . وهي تجري بهم في موج كالجبال ، فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ، فآواه إلى جبل السنة المحمدية فكان من الناجين . وآخرون حال بيهم الموج ، فكانوا من المغرقين ، فالتبس الأمر عليهم ، فقالوا بالحلول والاتحاد ، أو نفي الحكمة والأحكام . وهذا في حق من ركب بلا رئيس ماهر ، وإلا رده إلى سفينة النجاة ، وهي : التمسك بالشريعة المحمدية في الظاهر ، والتحقق بالحقيقة الأصلية . وبالله التوفيق . ثم ذكر انتهاء الطوفان ، فقال : { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ } .