Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 113, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { قلْ } يا محمد { أعوذُ بربِّ الفلقِ } أي : أتحصّن وأستجيرُ برب الفلق . والفلق : الصُبح ، كالفرق ، لأنه يفلق عنه الليل فعل بمعنى مفعول . وقيل : هو كل ما يفلقه الله تعالى ، كالأرض عن النبات والجبال عن العيون ، والسحاب عن الأمطار ، والحب والنوى عما يخرج منهما ، والبطون والفروج عما يخرج منهما ، وغير ذلك مما يفلق ويخرج منه شيء . وقيل : هو جب في جهنم . وفي تعليق العياذ بالرب ، المضاف إلى الفلق ، المنبىء عن النور بعد الظلمة وعن السعة بعد الضيق ، والفتق بعد الرتَق ، عِدَة كريمة بإعاذة العامة مما يتعوّذ منه ، وإنجائه منه وفَلْق ما عقد له من السحر وانحلاله عنه ، وتقوية رجائه بتذكير بعض نظائره ومزيد ترغيب في الاعتناء بقرع باب الالتجاء إلى الله تعالى . ثم ذكر المتعوَّذ منه فقال : { من شرِّ ما خَلَقَ } من الثقلين وغيرهم ، كائناً ما كان ، وهذا كما ترى شامل لجميع الشرور الجمادية ، والحيوانية ، والسماوية ، كالصواعق وغيرها . وإضافة الشر إليه أي : إلى كل ما خلق لاختصاصه بعالَم الخلق ، المؤسس على امتزاج المراد المتباينة ، وتفاصيل كيفياتها المتضادة المستتبعة للكون والفساد في عالَم الحكمة ، وأمّا عالَم الأمر فهو منزّه عن العلل والأسباب ، والمراد به : كن فيكون . وقوله تعالى : { ومن شر غَاسِقٍ إِذا وَقَبَ } تخصيص لبعض الشرور بالذكر ، بعد اندراجه فيما قبله ، لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منه ، لكثرة وقوعه ، أي : ومن شر الليل إذا أظلم واشتد ظلامه ، كقوله تعالى : { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ } [ الإسراء : 78 ] . وأصل الغسق : الامتلاء . يقال : غسقت عينيه إذا امتلأت دمعاً وغَسَقُ الليل : انضباب ظلامه . وقوله : { إذا وقب } أي : دخل ظلامه ، وإنما تعوَّذ من الليل لأنه صاحب العجائب ، وقيل : الغاسق : القمر ، ووقوبه : دخوله في الكسوف واسوداده ، لِما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، وقال : " تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب " وقيل : وقوب القمر : محاقه في آخر الشهر ، والمنجِّمون يعدونه نحساً ، ولذلك لا تستعمل السحرةُ السحرَ المُورث للمرض إلاَّ في ذلك الوقت ، قيل : وهو المناسب لسبب النزول . وقيل : الغاسق : الثريا ووقوبها : سقوطها ، لأنها إذا سقطت كثرت الأمراض والطواعين . وقيل : هو كل شر يعتري الإنسان ، ووقوبه هجومه ، فيدخل فيه الذكَر عند الشهوة المحرمة وغيره . { ومن شر النفاثاتِ في العُقَد } أي : ومن شر النفوس أو : النساء النفاثات ، أي : السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط ، وينفثن عليها ، والنفث : النفخ مع ريق ، وقيل : بدون ريق ، وتعريفها إمّا للعهد الذهني ، وهن بنات لَبِيد ، أو : للجنس ، لشمول جميع أفراد السواحر وتدخل بنات لَبيد دخولاً أولياً . { ومن شر حاسدٍ إِذا حَسَدَ } إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه ، بترتيب مقدمات الشر ، ومبادىء الإضرار بالمحسود ، قولاً وفعلاً ، والتقييد بذلك لأنَّ ضرر الحسد قبله إنما يحيق بالحاسد ، وقد تكلم ابن جزي هنا على الحسد بكلام نقلناه في سورة النساء ، فانظره فيه . الإشارة : الفلق هو النور الذي انفلق عنه بحر الجبروت ، وهي القبضة المحمدية ، التي هي بذرة الكائنات ، فأمر الله بالتعوُّذ بربها الذي أبرزها منه ، من شر كل ما يشغل عن الله ، من سائر المخلوقات ، ومن شر ما يهجم على الإنسان ، ويقوم عليه من نفسه وهواه وغضبه وسخطه ، ومن شر ما يكيده من السحرة أو الحُساد . والحسد مذموم عند الخاص والعام ، فالحسود لا يسود . وحقيقة الحسد : الأسف على الخير عند الغير ، وتمني زواله عنه ، وأمّا تمني مثله مع بقائه لصاحبه فهي الغِبطة ، وهي ممدوحة في الكمالات ، كالعلم والعمل ، والذوق والحال . وبالله التوفيق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله .