Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 19-22)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : بضاعة : حال من المفعول ، أي : وأخفوه مبضعاً به للتجارة . ولنعلمه : عطف على محذوف ، أي : مكناه في الأرض ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه . إلخ . ودراهم : بدل من ثمن . قال الهروي : الأَشُدَّ : من خمسة عشر إلى أربعين سنة . وهو جمع شدة ، مثل : نعمة وأنعم ، وهي : القوة والجلادة في البدن والعقل . هـ . يقول الحق جل جلاله : { وجاءت سيارة } رفقة تسير من مدين إلى مصر ، فنزلوا قريباً من الجب ، وكان ذلك بعد ثلاث من إلقائه فيه . { فأرسلوا واردَهم } الذي يرد الماء ، ويستقي لهم ، وهو : مالك بن ذعر الخزاعي ، { فأدلى دلوه } أرسلها في الجب ليملأها ، فتعلق بها يوسف ، فلما رآه ، { قال يا بشرى هذا غلام } نادى البشرى ، بشارة لنفسه ، أو لقومه ، كأنه قال : تعالِ هذا أوانك . وقيل : اسم لصاحبه ، ناداه ليعينه على إخراجه فأخرجوه ، { وأسروه } أي : أخفاه الوارد ، وأصحابه عن الرفقة ، وقالوا : دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه بمصر ، حال كونه { بضاعة } أي : متاعاً مبضعاً به للتجارة ، أي : يباع ويتجر بثمنه . { والله عليم بما يعملون } لم يخف عليه اسرارهم . { وشَرَوه } أي : باعه السيارة من الرفقة ، أو إخوته ، فيكون الضمير راجع لهم . رُوي أن يهوذا كان يأتيه كل يوم بالطعام ، فأتاه يومئذٍ فلم يجده فيها ، وأخبر إخوته فأتوا الرفقة ، وقالوا : هذا غلامنا فاشتروه ، وسكت يوسف خوفاً من أن يقتلوه . أو اشتروه من إخوته لأن شرى قد يستعمل بمعنى اشترى . فاشتراه الرفقة منهم { بثمن بَخْسٍ } أي : مبخوس ، لزيفه أو نقصانه ، { دراهم مَعدودةٍ } قليلة ، فإنهم يَزنُون ما بلغ الأوقية ، ويعدُّون ما دونها . قيل : كان عشرين درهماً . وقيل : اثنين وعشرين . رُوي أن الذي اشتراه منهم مالك بن ذعر المتقدم ، وكان صعلوكاً ، فسأل يوسف أن يدعو له فدعا له فصار غنياً . رُوي أنه قال لهم : بكم تبيعونه ؟ فقالوا له : إن اشتريته بعيوبه بعناه لك . فقال : وما عيوبه ؟ فقالوا : سارق كذاب ، يرى الرؤيا الكاذبة . فقال لهم : بكم تبيعونه لي مع عيوبه ؟ ويوسف عليه السلام ينظر إليهم ولا يتكلم ، وهو يقول في نفسه : ما أظنه يقوم بثمني لأنهم يطلبون أموالاً كثيرة . قال لهم مالك : معي دراهم قليلة تعد ولا توزن ، فقالوا له : هاتها . فاشتراه منهم بتلك الدراهم المعدودة . قال ابن عباس : كانت سبعة عشر درهماً ، جعل له ذلك جزاء لما قوم نفسه ، وظن أنهم يطلبون في الأموال . هـ . { وكانوا فيه من الزاهدين } : الراغبين عنه . يحتمل أن يكون الضمير لإخوته ، وزهدهم فيه ظاهر . أو يكون للرفقة فإن بائعين كانوا بائعين فزهدهم فيه لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به خائف من انتزاعه ، وإن كانوا مبتاعين فلأنهم اعتقدوا أنه آبق . قال الفراء : لما اشتراه منهم مالك ، قال لهم : اكتبوا لي كتاباً بخطكم بأنكم بعتم مني هذا الغلام بكذا وكذا ، فكتبوا له ذلك ، فلما أراد الرحيل قالوا له : اربطه لئلا يهرب ، فلما همَّ بربطه قال له يوسف : خلني أودِّع ساداتي فَلَعَلَّي لا ألقاهم بعد هذا اليوم . فقال له مالك : ما أكرمك من مملوك ، حيث يفعل بك هذا وأنت تتقرب منهم . فقال له يوسف : كل أحد يفعل ما يليق به ، فقال له : دونك ، فقصدهم وهُم قيام صفاً واحداً ، فلما دنا منهم بكوا وبكى يوسف عليه السلام ، ثم قالوا : والله لقد ندمنا يا يوسف على ما فعلنا ، ولولا الخشية من والدنا لرددناك . هـ . ثم ذهبوا به إلى مصر فباعوه ، فاشتراه العزيز الذي كان خزائن مصر . واسمه : " قطفير " ، وكان المَلِك يومئذٍ " ريان بن الوليد العلقمي " ، وقد آمن بيوسف ، ومات في حياته . { وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته } راعيل ، أو زليخا ، { أكرمي مثواه } اجعلي مقامه عندنا كريماً ، والمعنى : أحسني تعهده ، { عسى أن ينفعنا } في ضِياعنا وأموالنا ، نستظهر به في مصالحنا ، { أو نتخذه ولداً } أي : نتبنَّاه ، وكان عقيماً ، لما تفرس فيه من الرشد . ولذلك قيل : أفرس الناس عزيز مصر ، وابنة شعيب التي قالت : { يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ } [ القصص : 26 ] ، وأبو بكر حين استخلف عمر . قال البيضاوي : رُوي أنه اشتراه العزيز وهو ابن تسع عشرة سنة ، ولبث في منزله ثلاث عشرة سنة ، واستوزره الريان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة . واختلف فيما اشتراه به مَنْ جعل شراءً غير الأول ، فقيل : عشرون ديناراً ، وزوجاً نعل ، وثوبان أبيضان . وقيل : ملؤه أي وزنه فضة ، وقيل : ذهباً . هـ . وقيل : مسكاً وحريراً . { وكذلك مكَّنَّا ليوسف في الأرض } أي : وكما مكنا محبته في قلب العزيز ، أو كما مكناه في منزله ، أو كما أنجيته ، وعطفنا عليه العزيز مكناه في الأرض ، ليتصرف فيها بالعدل ، { ولنُعلِمَهُ من تأويل الأحاديث } أي : من تأويل كتب الله المتقدمة ، أو من تأويل الأحكام الحادثة بين الناس ليحكم فيها بالعدل ، أو من تعبير المنامات ، ليستعد لها قبل حلولها . أي : كان القصد في إنجائه وتمكينه : إقامته العدل ، وتْيسير أمور الناس ، وليعلَمَ معاني كُتب الله وأحكامه فينفذها ، { والله غالبٌ على أمره } : لا يرده شيء ، ولا ينازعه فيما يريد جبار ، ولا عنيد ، أو غالب على أمر يوسف ، فيدبر أمره بالحفظ والرعاية ، والنصر والعز في عاقبة أمره ، خلاف ما أراد به إخوته ، { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أن الأمر كله بيده ، أو لا يفهمون لطائف صنعه ، وخفايا لطفه . { ولما بلغ أشده } منتهى اشتداد جسمه ، وكمال عقله . وتقدم تفسير الهروي له ، وحده . وقيل : ما بين الثلاثين والأربعين ، { آتيناه حكماً } : حكمة ، وهي النبوة . أو العلم المؤيد بالعمل . أو حُكماً بين الناس بالعدل . { وعلماً } يعني : علم تأويل الأحاديث ، أو علماً بأسرار الربوبية ، وكيفية آداب العبودية . { وكذلك نجزي المحسنين } إذا كمل عقلهم ، وتوفر آدابهم ، وكمل تهذيبهم ، آتيناهم الحكمة وكمال المعرفة . وفيه تنبيه على أنه تعالى إنما آتاه ذلك جزاء على إحسانه وإتقانه عمله في عنفوان شبابه . اَلإشارة : من ظن انفكاك لطف الله عن قدره فذلك لقصور نظره ، لا سيما لطفه بالمتوجهين إليه ، أو العارفين به الواصلين لحضرته . فكل ما ينزل بهم فإنما هو أقدار جارية ، وأمداد سارية ، وأنوار بهية ، وألطاف خفية ، تسبق لهم الأنوار قبل نزول الأقدار ، فلا تحول حول قلوبهم الأكدار ، ولا تغير قلوبَهم رؤية الأغيار ، عند نزول شدائد الأقدار ، يحفظ عليهم أسرار التوحيد ، وينزل عليهم أنوار التأييد ، عند نزول القضاء الشديد ، والبلاء العتيد ، ولابن الفارض رضي الله عنه : @ أَحبائِي أَنتُم ، أَحْسَنَ الدَّهرُ أم أَسا فَكُونُوا كما شِئتُمُ أَنا ذَلك الخِل @@ وقال صاحبه العينية : @ تَلَذُّ لِي الآلام إذ كُنتَ مُسْقِمَِي وإن تَختَبِرني فَهْي عَندي صَنَائِعُ تَحِكَّم بِِما تَهواهُ فيَّ فإِنَّني فَقِيرٌ لسُلطَان المَحَبَّة طَائِعُ @@ وقد جرت عادة الله تعالى أن يعقب الجلال بالجمال ، والمحن بالمنن ، والذل بالعز ، والفقر بالغنى ، فبقدر ما تشتد المحن تأتي بعدها مواهب المنن ، ما ينزل من الجلال يأتي بعده الجمال ، سُنة الله في خلقه ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً . لا راد لما قضى ، ولا معقب لما به حكم وأمضى . قال تعالى : { والله غالبٌ على أمره } : قال بعض المفسرين : هذه الآية هي قطب هذه السورة ، ثم قال : أراد آدم البقاء في الجنة ، وما أراد الله ذلك ، فكان الأمْر مُراد الله . وأراد إبليس أن يكون رأس البررة الكرام ، وأراد الله أن يكون إمام الكفرة اللئام ، فكان الأمر كما أراد الله . وأراد النمرود هلاك إبراهيم عليه السلام ، ولم يرده الله ، فكان الأمر كما أراد الله . وأراد فرعون هلاك موسى عليه السلام ، فأهلكه الله ، ونجى موسى . وأراد داود أن يكون الملك لولده ميشا ، وأراد الله أن يكون لسليمان عليه السلام ، فكان كما أراد الله . وأرد أبو جهل هلاك سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونبوة الوليد بن المغيرة ، فأهلك الله أبا جهل ونبأ محمداً صلى الله عليه وسلم . وأراد المنذر بن عاد البقاء في الدنيا ، فأهلكه الله وخرب ملكه . وأراد إرم العاتي ، الذي بنى ذات العماد ، يحاكي بها الجنة ، أن يسكنها خالداً فيها ، فكذبه الله ، وحال بينه وبينها ، وغيبها عنه حتى مات بحسرتها . هـ . ثم ذكر مراودة زليخا ليوسف ، وما كان من شأنهما ، فقال : { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } .