Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 35-38)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : ليسجننه : مفسر للفاعل ، أي : ظهر له سجنه إذ الجملة لا تكون فاعلاً على المشهور ، وجوزه بعضهم مستدلاً بالآية . وقيل : محذوف ، أي : بدا لهم رأي ليسجننه . وقال الإمام القصار ، الفاعل هو القسم المفهوم من اللام الموطئة له ، أي : بدا لهم قسمهم ليسجننه . يقول الحق جل جلاله : { ثم بَدَا لهم } أي : ظهر للعزيز وأهله ، { من بعد ما رأوا الآيات } الدالة على براءة يوسف كشهادة الصبي ، وقَدّ القميص ، وقطع الأيدي ، واستعصامه منهن ، فظهر لهم سجنه . وأقسموا { ليَسجُننَّهُ حتى حين } حتى يظهر ما يكون منه ليظن الناس أنها مُحِقة فيما ادعت عليه . فخدعت زوجها حتى وافقها على سجنه . ورُوي أنه لما أدخل السجن ندَمت زليخاً على سجنه ، وعيل صبرها على فراقه ، فأرسلت إلى السجان ليطلقه ، فأبى ، فلبث فيه سبع سنين . { ودخلَ معه السجنَ فتيان } أي : فسجنوه واتفق أنه دخل معه في ذلك اليوم رجلان آخران ، من عبيد الملك : ساقيه وخبازه ، اتُهِمَا أنهما أرادا أن يَسُمَّاه ، { قال أحدهما } وهو الساقي : { إني أراني } في المنام { أعصِرُ خمراً } أي : عنباً . وسماه خمراً : باعتبار ما يؤول إليه . رُوي أنه قال : رأيت كأن الملك دعاني وردني إلى قصره ، فبينما أنا أدور في القصر ، وإذا بثلاثة عناقيد من العنب ، فعصرتها ، وحملت ذلك إلى الملك لأسقيه له . { وقال الآخرُ } وهو الخباز : { إني أراني أحمل فوق راسي خبزاً تاكلُ } : تنهش { الطيرُ منه } ، قال : رأيت كأن العزيز دعاني ، وأخرجني من السجن ، ودفع لي طيفورة عليها خبز ، فوضعتها على رأسي ، والطير تأكل منه . { نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين } من الذين يحسنون تأويل الرؤيا . وإنما قالا له ذلك لأنهما رأياه في السجن يعظ الناس ويعبر رؤياهم ، أو من المحسنين إلى أهل السجن ، كان عليه السلام ، إذا رأى محتاجاً طلب له ، وإذا رأى مضيقاً وسع ليه فقالا له : فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا إن كنت تعرفه . { قال لا يأتيكما طعامُ تُرزِقَانِه } في النوم ، { إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكُما } تأويله في الدنيا . أو : لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة لتأكلاه إلا أخبرتكما به ، ما هو ؟ وما لونه ؟ وما صفته ؟ وكم هو ؟ قبل أن يأتيكما ، إخباراً بالغيب ، فيأتيهما كذلك معجزة . وصَفَ نفسَه بكثرة العلم والمكاشفة ليكون وسيلة إلى دعائهما إلى التوحيد . ثم قال لهما : { ذلكما مما علمني ربي } بالوحي والإلهام . وليس ذلك من قبيل التكهن أو التنجيم . رُوي أنهما قالا له : من أين لك هذا العلم ، وأنت لست بكاهن ولا منجم ؟ فقال لهما : { ذلكما مما علمني ربي إني تركتُ مِلّةََ } طريقة { قومٍ لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون } أي : علمني ذلك لأني تركت ملة أهلِ الكفر ، { واتبعتُ ملة آبائي إبراهيمَ وإسحاق ويعقوبَ } ، وإنما قال ذلك تمهيداً للدعوة ، وإظهاراً أنه من بيت النبوة لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه ، والوثوق به . { ماكان لنا } : ما صح لنا معشر الأنبياء { أن نُشرك بالله من شيء } أيّ شرك كان ، { ذلك } التوحيد { من فضل الله علينا } بالوحي { وعلى الناس } ببعثنا إليهم ، وإرشادنا إياهم وتثبيتهم عليه ، { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } هذا الفضل فيُعرضون عنه . أو من فضل الله علينا بالوحي والإلهام ، وعلى الناس بنصب الدلائل وإنزال الآيات . ولكن أكثرهم لا ينظرون إليها ، ولا يستدلون بها ، فيوحدون خالقها ، فهم كمن كفر النعمة ولم يشكرها . الإشارة : جرت عادة الحق تعالى في خلقه أنه لا يأتي الامتكان إلا بعد الامتحان ، ولا يأتي السلوان إلا بعد الأشجان ، ولا يأتي العز إلا بعد الذل ، ولا يأتي الوجد إلا بعد الفقد . فبقدر ما يضيق على البشرية تتسع ميادين الروحانية ، وبقدر ما تسجن النفس وتحبس عن هواها ، تتسع الروح في مشاهدة مولاها . وقوله تعالى : { ودخل معه السجن فتيان } : إشارة إلى أن امتحانه بالسجن كان لتكميل حقيقته وشريعته ، فمن رأى أنه يحمل الطعام فإشارة إلى حمل لواء الشريعة ، ومن رأى أنه يعصر خمراً فإشارة إلى تحقيق خمرة الحقيقة ، فيكون من أهل مقام الإحسان ، ولذلك قال : { إنا نراك من المحسنين } ، ثم ذكر نتيجة مقام الإحسان هو التوحيد الخاص فقال : { ما كان لنا ان بشرك بالله من شيء } . وذكر أن ذلك ناله من باب الكرم لا من باب العمل ، فقال : { ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس } . والله تعالى أعلم . ثم دعاهم إلى التوحيد ، فقال : { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ } .