Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 41-42)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : منهما : يتعلق بظن ، والظن يحتمل أن يكون بمعنى اليقين لأن قوله : قضي الأمر يقتضي ذلك ، أو يبقى على بابه . يقول الحق جل جلاله : قال يوسف : { يا صاحِبَي السجن } المستفتيان عن الرؤيا ، { أما أحدُكُما } وهو الساقي ، { فيسْقي ربه خمراً } كما كان يسقيه قبلُ ، ويعود إلى ما كان عليه ، { وأما الآخرُ فيُصلبُ فتأكلُ الطيرمن رأسه } ، فقالا : كَذَبْنا ما رأينا شيئاً ، فقال : { قُضِيَ الأمرُ الذي فيه تستفتيان } ، سبق به القضاءُ في الأزل ، وهو ما يؤول إليه أمركما ، ولذلك وحده ولم يقل : قضي أمراكما . رُوي أنه لما دعاهما إلى التوحيد أسلم الساقي وأبى الخباز ، فأخرج بعد ثلاث وصُلب . { وقال للذي ظنَّ أنه ناج منهما } يوسف ، أي : تيقن ، أو غلب على ظنه أنه ناجٍ منهما ، إما عن وحي ، على الأول ، أو باجتهاد بسبب الرؤيا : { اذكُرني عند ربك } عند سيدك ، وهو المَلِك ، وقل له : غلامٌ سُجنَ ظُلماً ، لعله يُخلصني . قال ابن عطية : يحتمل أن يذكره بعلمه ومكانته ، ويحتمل أن يذكره بمظلمته ، وما امتحن به بغير حق . أو يذكره بهما . هـ . وقال الورتجبي : يحتمل أن قوله : { اذكرني عند ربك } : عَرَّف له طريقتي مع الله حتى يعرفني أني رسول الله ، ويطيعني في طاعة الله ، وينجو بذلك من عذابه ، ويصل إلى ثوابه ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وليوحد الله تعالى ، ويتخلص من كيد الشيطان ، وما معه من الإنسان . هـ . { فأنسَاهُ الشيطانُ ذكرَ ربه } أي : فأنسى الساقي أن يذكر يوسف لربه . أو أنسي يوسفَ ذكرَ الله حتى استغاث بغير ، فأدبه ، { فلبثَ في السجن } ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " رَحِمَ الله أخِي يُوسُف ، لَوْ لَمْ يَقُل : اذْكرْنِي عند رَبِّك ، لَمَا لَبِثَ في السِّجنِ سَبْعاً بَعدَ الخَمسِ " . روي أن جبريل عليه السلام أتاه بعد المقالة ، فقال له : مَن أخرجك من الجُبِّ ، وخلِّصك من القتل ، وعَصَمَكَ من الفاحشة ؟ فقال : الله . فقال : كيف تعتصم بغيره ، وتثق بالمخلوق ، وترفع قصتك إليه ، وتترك ربك ؟ ! قال : يا جبريل كلمات جرت على لساني ، وأنا تائب لا أعود لمثلها . هـ . والاستعانة بالمخلوق ، وإن كانت جائزة شرعاً ، لكنها لا تليق بمقام الأقوياء . { فلبث في السجن بضْعَ سنين } البضع : من الثلاث إلى التسع . ؟ رُوي أن يوسف عليه السلام سجن خمس سنين أولاً ، ثم سجن بعد المقالة سبع سنين . الإشارة : النسيان والغفلة التي لا تثبت في القلب ، والخواطر التي ترد وتذهب من أوصف البشرية التي لا تنافي الخصوصية ، إذ لا انفكاك للعبد عنها . قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } [ الأعراف : 201 ] فالطيف لا ينجو منه أحد لأنه من جملة أوصاف العبودية التي بها تعرف كمالات الربوبية . وقد قال تعالى في حق سيد العارفين : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [ الأعراف : 200 ] فالعصمة التي تجب للأنبياء إنما هي مما يوجب نقصاً أو غضاً من مرتبتهم . وهذه الأمور إنما توجب كمالاً لأنها بها يتحقق كمال العبودية التي هي شرف العبد . فافهم وسلم ، ولا تنتقد ، فإن هذه الأمور لا يفهمها إلا العارفون بالله ، دون غيرهم من أهل العلم الظاهر . وقال الورتجبي : إن يوسف عليه السلام لم يعلم وقت إيمان الملك ، ولم يأت وقت دخوله في الإسلام ، فأنساه الشيطان ذكر ربه ، في سابق حكمه ، على تقدير وقت إيمان الملك ، فلبث في السجن إلى وقت إيمان الملك ، فنسيان يوسف : احتجابه عن النظر إلى قدره السابق . هـ . ثم ذكر سبب خورجه من السجن ، فقال : { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ } .