Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 99-100)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه } . قبل هذا الكلام محذوفات ، وهي : فرحل يعقوب بأهله حتى بلغوا إليه ، ولما دخلوا على يوسف … الخ . رُوي أن يوسف عليه السلام وجه إليه رواحل وأموالاً ليتجهز إليه بمن معه ، وأرسل إليه مائة وثمانين كسوة من رفيع الثياب والعمائم لإخواته ، وقميصان مُذَهبان للإناث ، فلما وصلت إلى يعقوب لبس ، وألبس أولاده . وركبوا المراكب ، وخرجوا من أرض كنعان يريدون مصر ، فلما قربوا ، أًمَرَ يوسف عليه السلام العساكر أن تخرج معه للقائهم ، فأول من لقيهم ثلاثون ألف فارس ، كلهم يسجدون بين يدي يعقوب ، وهو يتعجب من عظم تلك الأجناد ، ويضحك من نصر الله تعالى ، وعزه لا بنه . ثم لقيهم البغال ، والجواري لنساء إخوته وأولادهم . ثم لقيهم أربعون ألف شيخ من الوزراء والكبراء . ثم استقبلهم يوسف عليه السلام مترجلاً ماشياً على قدميه ، متواضعاً لأبيه ، في مائة ألف ، كلهم على أرجلهم ، معهم الملك " ريَّان " ثم سلم يوسف عليه السلام والملك على أبيه ، ثم اقبلا يبكيان ، وبكى إخوته وضج الناس بالبكاء ، ثم ضم إليه أبويه ، وقيل : أباه وخالته ، { وقال ادخلوا ان شاء الله آمنين } ، ثم حُمل يعقوب عليه السلام في هودج من الذهب ، ويوسف عليه السلام ، وإخوته يمشون بين يديه مترجلين حتى دخلوا مصر ، ثم أتوا إلى قصر مملكته . قال ابن عباس : فجلس يوسف عليه السلام على سريره ، وأبوه عن يمينه ، وخالته عن شماله ، وإخوته بين يديه ، فخروا له سجداً لأنها كانت في ذلك الزمان يعني تحيتهم على الملوك رُوي أنهم قالوا في سجودهم : سبحان مولف الشتات بعد الإياس ، سبحان كاشف الضر بعد البأس . فقال يوسف لأبيه : { يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل … } الخ هكذا ذكر القصة صاحب الزهرالأنيق في قصة يوسف الصديق . وهذا معنى قوله : { فلما دخلوا على يوسف } بلده ومملكته { آوى إليه أبويه } أي : اعتقهما ، وسلم عليهما ، وضمهما إليه . قيل : الأبوين حقيقة . وقيل : أباه وخالته ، ونزَّل الخالة منزلة الأم تنزيلَ العم منزلة الأب في قوله : { نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } [ البقرة : 133 ] . { وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } من القحط وأصناف المكاره . والمشيئة متعلقة بالدخول المكيَّف بتلك الهيئة لا بالأمن . وقال ابن جزي : راجعة إلى الأمن . قال البيضاوي : وكان أولاد يعقوب الذين دخلوا مصر اثنين وسبعين رجلاً ، وامرأة ، وكانوا حين خرجوا مع موسى ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وتسعين رجلاً سوى الذرية والهرمى . هـ . { ورفع أبويهِ على العرش } ، أي : حين دخلوا قصر مملكته ، { وخرُّوا له سُجداً } تحية وتكرمة فإن السجود كان عندهم يجري مجرى التحية . وقيل : معناه : خروا لأجله سجداً لله شكراً . وقول البيضاوي : الرفع مؤخر عن الخرور ، فيه نظر لما تقدم عن صاحب الزهر الأنيق ، ولا داعي إلى الخروج عن الظاهر إلا بنص صريح . قال ابن عطية : واختلف في هذا السجود فقيل : كان المعهود عندنا من وضع الوجه بالأرض ، وقيل : بل دون ذلك كالركوع البالغ ونحوه ، مما كان سيرة تحيتهم للملوك في ذلك الزمان . وأجمع المفسرون أن ذلك السجود ، كيفما كان ، إنما كان تحيةً لا عبادة . قال قتادة : هذه كانت تحية الملوك عندهم ، وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة . ثم قال : قال أبو عمرو الشيباني : تقدم يوسُفُ يعقوب عليه السلام في المشي في بعض تلك المواطن ، فهبط جبريل فقال : أتتقدَّم أباك ؟ إن عقوبتك لذلك ألا يخرج من نسلك نبي . هـ . قال المحشي الفاسي : وما أظن لهذا صحة ، وقد كان في ذريته " يوشع بن نون " عليه السلام ، ويوسف المذكور في سورة الطَّوْل على قول . وفي البيضاوي : وكان عمر يوسف مائة عشرين سنة ، وقد ولد له من راعيل : إفراثيم وميشا ، وهو جد يوشع بن نون ورحمة امرأة أيوب . هـ . قلت : المذكورفي قصة أيوب أن زوجه رحمة إنما كانت ابنة إفراثيم بن يوشع لابنته . ثم قال : { يا أبت هذا تأوِيلُ رؤيايَ من قبلُ } التي رأيتها أيام الصبا ، وهي : رؤيا أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون لي ، { قد جَعَلَهَا ربي حقاً } : صدقاً . وكان بين رؤياه وبين صدق تأويلها ثمانون عاماً ، وقيل : أربعون ، وهو الأصح . { وقد أحسنَ بي إذ أخرجني من السجن } ، ولم يذكر الجب لئلا يخجل إخوته ولأنه خرج من الجب إلى الرق ، ومن السجن إلى الملك ، فالنعمة هنا أوضح . { وجاءَ بكم من البَدْوِ } : من البادية لأنهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو ، فعد عليهم من النعم انتقالهم للحاضرة لأنها محل الراحة . { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } : أفسد بيننا وحرش ، من نَزَغَ الدابة إذا نخسها . { إن ربي لطيف لِمَا يشاء } أي : لطيف التدبير لما يشاء من الأمور إذ ما من صعب إلا وتنفذ فيه مشيئته ، ويتسهل دونها ، { إنه هو العليم } بوجوه المصالح والتدابير ، { الحكيم } الذي يفعل كل شيء في وقته ، على وجه تقتضيه الحكمة . رُوي أن يوسف عليه السلام طاف بأبيه عليهما السلام في خزائنه ، فلما أدخله خزانة القرطاس ، قال : يا بني ، ما أغفلك ، عندك هذه القراطيس وما كتبت لي على ثماني مراحل ، قال : أمرني جبريل ، قال : أو ما تسأله ؟ قال : أنت أبسط مني ، سله ، فقال جبريل : أمرني ربي بذلك لقولكإني أخاف أن يأكله الذئب ، فهلا خفتني . هـ . قاله البيضاوي : وزاد في القوت : لِمَ خفت عليه الذئب ولم ترجني ؟ ولِمَ نظرت إلى غفلة إخوته ، ولم تنظر إلى حفظي له ؟ فهذا على معنى قول يوسف عليه السلام للساقي : اذكرني عند ربك ، فهذا مما يعتب على الخصوص من خفي سكونهم ، ولمح نظرهم إلى ما سوى الله عز وجل . هـ . الإشارة : ما أحلى الوصال ، بعد الفراق ، وما ألذ شهود الحبيب على الاشتياق ، فبقدر طول البين يعظم قدر الوصال ، وبقدر حمل مشاق الطلب يظفر بالمأمول . فجدّ أيها العبد في طلب مولاك ، وغبَ في سيرك إليه عن حظوظك وهواك ، تظفر بالوصْل الدائم في عزك وعُلاك ، وتتصل بكل ما كنت تأمله من مطالبك ومنُاك . وأنشدوا : @ وإنِ امْرُؤ أَمْسَى بِقُرْبِك نَازِلاً فَأَهْلاً بِه ، حَازَ الفَضَائِلَ كُلّها وألبسته حُلْيَ المحاسِن فاكْتَسَى حُلَلَ الرضَا فازْدَادَ قُرْبا ما انْتَهَى @@ وبالله التوفيق . ثم إن يوسف عليه السلام لما تمكن من المُلك الفاني ، اشتاق إلى المُلك الباقي ، فقال : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } .