Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 33-34)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : أفمن مع صلته : مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي : أفمن هو رقيب على كل شيء أحق أن يعبد أم غيره . أو كمن ليس كذلك ؟ ! . يقول الحق جل جلاله : { أفَمَنْ هو قائمٌ على كل نَفْس } أي : حفيظ رقيب على عمل كل نفس { بما كسبتْ } من خير أو شر ، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، ولا يفوت عنده شيء من جزائهم أحق أن يُعبد أم غيره ؟ أو كمن ليس كذلك ممن هو جماد لا يسمع ، ولا يعقل ! ! . { وجعلوا لله شركاءَ } بعد هذا البيان التام ، { قل } لهم : { سَمُّوهُم } أي : اذكروا أسماءهم ، فلا تجدون إلا أسماء إناث كاللات والعزى ومناة ، أو أسماء أحجار وخشب فبأي وجه تستحق أن تعبد ، وتشرك مع الله في ألوهيته ؟ . { أم تُنبِئُونه بما لا يعلمُ في الأرضِ } بل أتخبرونه بما لا يعلم وجوده في الأرض ، وهذا تهكم بهم ، كأنهم علموا استحقاق الأصنام العبادة ، ولم يعلمها الحق تعالى ، وهو محال . والمعنى : أن الله لا يعلم لنفسه شركاء وإذا لم يعلمهم فليسوا بشيء ، فكيف تفترون الكذب في عبادتهم ؟ { أم } تسمونهم شركاء ، { بظاهرٍ من القولِ } ، من غير حقيقة واعتبار معنى ، كتسمية الخبث مسكاً ، والبول عطراً . { بل زُيِّن للذين كفروا مكرُهُم } أي : انخداعهم وغرورهم حتى توهموا الباطل حقاً ، أو مكرهم بالإسلام وكيدهم لأهله ، { وصدُّوا عن السبيل } أي : وصدوا الناس عن طريق الحق ، حيث منعوهم من الإسلام ، ومن قرأ بضم الصاد مبنياً للمفعول فمعناه : صدَّهُم الشيطانُ عن طريق الحق وضلوا عنه . { ومن يُضلل اللَّهُ فما له من هَادٍ } أي : من يخذله الله فليس له من يوقفه غيره . { لهم عذابٌ في الحياة الدنيا } بالقتل والأسر ، وسائر ما يصيبهم من المصائب ، { ولعذابُ الآخرة أشقُ } لشدته ودوامه ، { وما لهم من الله } اي : من عذابه { من واقٍ } يقيهم ويعصمهم منه . الإشارة : كل من تحقق أن الله قائم عليه استحيا منه أن يُسيء الأدب بين يديه ، يقول الله تعالى في بعض الأخبار : " إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم ، فالخلل في إيمانكم ، وإن كنتم تعتقدون أني أراكم فَلِمَ جعلتموني أهون الناظرين إليكم ؟ " وكل من وقف مع الأسباب واعتمد عليها ، أو طمع في الخلق وركن إليهم ، فقد جعل لله شركاء ، فيقال له : سَمِّ هؤلاء تجدهم حقاً عاجزين ، لا قدرة لهم على شيء ، ولا ينفعوك بشيء إلا ما قَسَم الله لك في الأزل . بل زين لضعفاء اليقين مكرهم ، حتى انخدعوا وافتتنوا برؤية الأسباب ، أي : كفروا كفراً دون كفر بأن شكّوا في الرزق والشكُّ في الرزق شكٌ في الرزَّاق ، وصدوا عن طريق اليقين ، الغنى برب العالمين ، لهم عذاب في الحياة الدنيا بالذل والحرص والحرمان . قال بعض العارفين : لو قيل للطمع : من أبوك ؟ لقال : الشك في المقدور ، ولو قيل له : ما حرفتك ؟ لقال : الذل والهوان ، ولو قيل له : ما غايتك ؟ لقال : الحرمان . وفي الحِكَم : " ما بَسَقَتْ أغصانُ ذُلٍّ إلا عَلَى بَذْرِ طَمعٍ " . وقال الشاعر : @ العَبدُ حُرٌّ مَا قَنَع والحرُّ عَبدٌ ما طَمعْ @@ ولعذاب الآخرة أشق حيث يسقط بضعف يقينه عن درجة المقربين على سبيل الدوام ، وما لهم من الله من واق يقيهم من غم الحجاب ، وعدم اللحوق بالأحباب الذين ترقوا إلى القرب من الحبيب . والله تعالى أعلم . ثمَّ وصف الجنة تشويقاً وترغيباً في سلوك طريقها وهو الإيمان