Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 120-123)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { إِنَّ إِبراهيم كان أُمةً } أي : إمامًا قدوة قال تعالى : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } [ البقرة : 124 ] ، قال ابن مسعود : " الأُمة : معلّم الناس الخيرَ " ، أو أمة وحده ، اجتمع فيه ما افترق في غيره ، فكان وحده أمة من الأمم لكماله واستجماعه لخصال الكمال التي لا تكاد تجتمع إلا في أشخاص كثيرة ، كقول الشاعر : @ ولَيْسَ عَلَى الله بمُسْتَنْكَرٍ أنْ يَجْمَعَ العَالَمَ فِي وَاحِد @@ وهو رئيس الموحدين ، وقدوة المحققين ، جادل فرق المشركين ، وأبطل مذاهبهم الزائفة بالحجج الدامغة . ولذلك عقَّب ذكره بتزييف مذاهب المشركين . أو : لأنه كان وحده مؤمنًا وسائر الناس كفارًا . قاله البيضاوي . وكان { قانتًا لله } مطيعًا قائمًا بأوامره ، { حنيفًا } مائلاً عن الباطل ، { ولم يَكُ من المشركين } ، وأنتم يا معشر قريش تزعمون أنكم على دينه ، وأنتم مشركون . وكان { شاكرًا لأنعُمِه } ، لا يخل بشكر قليل منها ولا كثير . ولذلك ذكرها بلفظ جمع القلة ، { اجتباه } : اختاره للنبوة والرسالة والخلة . { وهداه إلى صراط مستقيم } التي توصل إلى حضرة النعيم ، ودعا إليها ، { وآتيناه في الدنيا حسنة } بأن حببناه إلى كافة الخلق ، ورزقناه الثناء الحسن في الملل كلها ، حتى إِنَّ أرباب الملك والجبابرة يتولونه ويثنون عليه . ورزقناه أولادًا طيبة ، وعمرًا طويلاً في الطاعة والمعرفة ، ومالاً حلالاً . { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } لحضرتنا ، المقربين عندنا ، الذين لهم الدرجات العلا كما سأله ذلك بقوله : { وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [ الشُّعَرَاء : 83 ] . { ثم أوحينا إليك } يا محمد { أن اتبعْ ملةَ إِبراهيم } دينه ومنهاجه في التوحيد ، والدعوة إليه بالرفق ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، كل واحد بحسب فهمه . وكان { حنيفًا } مائلاً عما سوى الله ، { وما كان من المشركين } ، بل كان قدوة الموحدين . كرره ردًا على اليهود والنصارى والمشركين في زعمهم أنهم على دينه مع إشراكهم . والله تعالى أعلم . الإشارة : كل من تمسك بطاعة الله ظاهرًا ، أو مال عما سوى الله باطنًا ، وشكر الله دائمًا ، ودعا الناس إلى هذا الأمر العظيم : كان وليًا إبراهيميًا ، محمديًا ، خليلاً حبيبًا ، مقربًا ، قد اجتباه الحق تعالى إلى حضرته ، وهداه إلى صراط مستقيم ، وعاش في الدنيا سعيدًا ، ومات شهيدًا ، وألحق بالصالحين . جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه . ولما ادعت اليهود أنهم على ملة إبراهيم دون غيرهم ردَّ الله عليهم