Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 125-125)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { ادْعُ } يا محمد الناسَ { إلى سبيل ربك } إلى طريقه الموصل إليه ، وهو : الإسلام والإيمان ، والإحسان لمن قدر عليه ، { بالحكمة } بسياسة النبوة ، أو بالمقالة المحكمة ، وهو الدليل الموضح للحق المزيح للشبهة ، { والموعظة الحسنة } مواعظ القرآن ورقائقه ، أو الخطابات المقنعة والعبر النافعة ، { وجادلهم } أي : جادل معاندتهم { بالتي هي أحسن } بالطرق التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين ، وإيثار الوجه الأيسر ، والمقدمات التي هي أشهر فإن ذلك أنفع في تليين لهبهم ، وتبيين شغبهم ، فالأولى : لدعوة خواص الأمة الطالبين للحق . والثانية : لدعوة عوامهم ، والثالثة : لدعوة معاندهم . قال ابن جزي : الحكمة هي : الكلام الذي يظهر جوابه ، والموعظة : هي : الترغيب والترهيب . والجدال هو : الرد على الخصم . وهذه الأشياء الثلاثة يسميها أهل العلوم العقلية بالبرهان والخطابة والجدل ، وهذه الآية تقتضي مهادنة نُسخت بالسيف . وقيل : إن الدعاء بهذه الطريقة ، من التلطف والرفق ، غير منسوخ ، وإنما السيف لمن لا تنفعه هذه الموعظة من الكفار ، وأما العصاة فهي في حقهم مُحكمة إلى يوم القيامة باتفاق . هـ . { إِنَّ ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } أي : إنما عليك البلاغ والدعوة . وأما حصول الهداية والضلال والمجازاة عليهما فليس من شأنك ، بل الله أعلم بالضالين والمهتدين ، وهو المجازي للجميع . الإشارة : الدعاء بالحكمة هو الدعاء بالهمة والحال ، يكون من أهل الحق والتحقيق لأهل الصدق والتصديق . والدعاء بالموعظة الحسنة هو الدعاء بالمقال من طريق الترغيب والتشويق ، يكون لأهل التردد في سلوك الطريق . والدعاء بالمجادلة الحسنة هو الدعاء بالوعظ والتذكير . وذِكْرُ بيانِ الطريق ، وفضيلة علم التحقيق ، يكون لأهل الإنكار إن وصلوا إلى أهل التحقيق . والحاصل : أن الدعاء بالحكمة لأهل المحبة والتصديق . والدعاء بالموعظة : لأهل التردد في الطريق . والدعاء بالمجادلة : لأهل الإنكار حتى يعرفوا الحق من الباطل . وإن شئت قلت : الدعاء بالحكمة هو للعارفين الكبار ، والدعاء بالموعظة الحسنة هو لأهل الوعظ والتذكار من الصالحين الأبرار ، والدعاء بالمجادلة الحسنة هو للعلماء الأخيار . وقد تجتمع في واحد إن جمع بين الظاهر والباطن . والله تعالى أعلم . ولما أمره بالدعوة العامة أمره بالصبر العام لأن الدعوة لا تنفك عن الأذى ، فيحتاج صاحبها إلى صبر كبير . ولما أمره بالدعوة العامة أمره بالصبر العام