Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 33-37)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { هل ينظرون } أي : ما ينظر هؤلاء الكفرة ، الذين قالوا فيما أنزل الله من الوحي : هو أساطير الأولين ، { إلا أن تأتيهُم الملائكةُ } لقبض أرواحهم ، { أو يأتي أمرُ ربك } : قيام الساعة ، أو العذاب المستأصِل لهم في الدنيا ، { كذلك } أي : مثل ذلك التكذيب والشرك ، { فعل الذين من قبلهم } ، فأصابهم ما أصابهم ، { وما ظلمهم الله } بإهلاكهم ، { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } لكفرهم ومعاصيهم ، المؤدية إلى عذابهم . { فأصابهم } جزاء { سيئات ما عملوا } من الكفر والمعاصي ، وهو العذاب ، { وحاقَ } أي : وأحاط { بهم ما كانوا به يستهزئون } أي : نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به . والحيْق لا يكون إلا في الشر . { وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرَّمنا من دونه من شيء } كالبحائر والسوائب والحوامي . قالوا ذلك على وجه المجادلة والمخاصمة ، والاحتجاج على صحة فعلهم ، أي : إنَّ فِعْلَنَا هو بمشيئة الله ، فهو صواب ، ولو شاء الله ألا نفعله ما فعلناه . والجواب : أن الاحتجاج بالقدر لا يصح في دار التكليف ، وقد بعث الله الرسل بالنهي عن الشرك ، وتحريم ما أحل الله ، ونحن مكلفون باتباع الشريعة ، لا بالنظر إلى فعل الحقيقة من غير شريعة فإنه زندقة فالشريعة رداء الحقيقة ، فمن خرق رداء الشريعة ، وتمسك بالحقيقة وحدها ، فقد استحق العقاب ، ولذلك قال تعالى : { كذلك فعل الذين من قَبلهم } فأشركوا بالله ، وحرموا ما أحل الله ، وردوا رسله . { فهل على الرسلِ إلا البلاغُ المبين } أي : الإبلاغ الموضح للحق فمن تمسك بما جاؤوا به فهو على صواب ، ومن أعرض عنه فهو على ضلال ، ولا ينفعه تمسكه بالحقيقة من غير اتباع الشريعة . والحقيقة هي أنه لا يقع في ملكه إلا ما يريد ، طاعة كان أو معصية ، كفرًا أو إيمانًا ، لكن الأمر غير تابع للإرادة ، ونحن مكلفون باتباع الأمر فقط . ثم بيَّن أن البعثة أمر جرت به السنة الإلهية في الأمم الماضية ، جعلها سببًا لهدى من أراد اهتداءه ، وزيادة الضلال لمن أراد إضلاله ، كالغذاء الصالح ، فإنه ينفع المزاج السوي - أي : المعتدل - ويقويه ، ويضر المزاج المنحرف ويعييه ، فقال : { ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً } قائلاً : { أن اعبدُوا الله واجتنبوا الطاغوت } أي : يأمر بعبادة الله وحده واجتناب ما سواه ، { فمنهم من هدى الله } وفقهم للإيمان وأرشدهم إليه ، { ومنهم من حقتْ عليه الضلالةُ } فلم يوفقهم ، ولم يُرد إرشادهم فليس كل من تمسك بشيء وأمْهل فيه يدل أنه على صواب ، كما ظن المشركون ، بل النظر إلى ما جاءت به الرسل من الشرائع ، وكلها متفقة على وجوب التوحيد وإبطال الشرك . ثم أمرهم بالنظر والاعتبار بحال من أشرك وكذب الرسل ، فقال : { فسيروا في الأرض } يا معشر قريش ، { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } كعاد وثمود وغيرهم ، لعلكم تعتبرون . ثم نهى نبيه عن الحرص عليهم فقال : { إنْ تَحرِصْ } يا محمد { على هُداهم فإن الله لا يَهْدي من يُضِلُّ } أي : من يريد إضلاله وقضى بشقائه وهو الذي حقت عليه الضلالة ، وقرأ غير الكوفيين بالبناء للمفعول ، وهو أبلغ ، أي : فإن الله لا يُهدي من يضله ، أي : لا يهدي غيرُ الله من يريد اللهُ إضلاله . { وما لهم من ناصرين } ليس لهم من ينصرهم يدفع العذاب عنهم . الإشارة : هل ينظر مَن عكف على دنياه ، وأكب على متابعة حظوظه وهواه ، إلا أن تنزل الملائكة لقبض روحه ، فيندم حيث لا ينفع الندم ، وقد زلت به القدم ، فيتمنى ساعة تُزاد في عمره فلا يجدها ، أو يأتي أمر ربك أمرٌ يحول بينه وبين العمل الصالح كمرض مزمن ، أو فتنة مضلة . كذلك فعل من قبله ، اغتر بدنياه حتى اختطف لأخراه . وما ظلمهم الله ، بل بعث الرسل وأخلفهم بأهل الوعظ والتذكير ، فحادوا عنهم ، فأصابهم جزاء سيئات ما عملوا من الغفلة والبطالة ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ، من وبال التقصير ، وفوات مقام أهل الجد والتشمير . وقال الذين أشركوا في محبة الله سواه من الحظوظ وزهرة الدنيا : لو شاء الله ما فعلنا ذلك ، محتجين بالقدر ، مع الإقامة على البطالة والخذلان . كذلك فعل مَنْ قَبْلَهُمْ من أهل الغفلة ، فهل على الرسل وخلفائهم إلا البلاغ المبين ؟ فقد حذَّروا من متابعة الدنيا ، وبلَّغوا أن الله غيور لا يُحب من أشرك معه غيره في محبته ، فقد بعث في كل أمة وعصر نذيرًا ، يأمر بعبادة الله وحده ، واجتناب كل ما سواه فمنهم من هداه الله ، فاختاره لحضرته ، فلم يُحب سواه . ومنهم من حقت عليه الضلالة عن مقام الخصوص ، فبقي في مقام البعد مُكَذِّبًا بطريق الخصوص . فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين كان عاقبتهم الحرمان ولزوم الخذلان . ويقال للعارف المذكِّر لمثل هؤلاء : { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } … الآية . وبالله التوفيق .