Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 80-81)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { وقل } يا محمد : { ربِّ أَدْخلني } في الأمور كلها { مُدْخلَ صدقٍ } بأن أدخل فيها بك لا بنفسي ، { وأَخرجني } منها { مُخرجَ صدقٍ } كذلك ، مصحوبًا بالفهم عنك ، والإذن منك في إدخالي وإخراجي . وقيل : أدخلني قبري مدخل صدق راضيًا مرضيًا ، وأخرجني منه عند البعث مخرج صدق ، أي : إخراجًا مرضيًا مُلقى بالكرامة . فيكون تلقينًا للدعاء بما وعده من البعث ، المقرون بالإقامة للمقام المحمود ، التي لا كرامة فوقها . وقيل : المراد : إدخال المدينة ، والإخراج من مكة . وقيل : إدخاله - عليه الصلاة والسلام - مكة ظاهرًا عليها ، وإخراجه منها آمنًا من المشركين . وقيل : إدخاله الغار ، وإخراجه منه سالمًا . وقيل : إدخاله فيما حمله من أعباء الرسالة ، وإخراجه منه مؤديًا حقه . وقيل : إدخاله في كل ما يلائمه من مكان أو أمر ، وإخراجه منه بالحفظ والرعاية ، بحيث يدخل بالله ويخرج بالله . وهو الراجح كما قدمناه . { واجعل لي من لدنك } أي : من مستبْطَن أمورك ، { سُلطانًا نصيرًا } أي حجة ظاهرة ، تنصرني على من يخالفني ويعاديني ، أو : عزًا ناصرًا للإسلام ، مظهرًا له على الكفر . فأجيبتْ دعوته - عليه الصلاة والسلام - بقوله : { فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ المائدة : 56 ] ، { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } [ التّوبَة : 33 ] ، { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ … } [ النُّور : 55 ] الآية ، وبقوله : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } [ الصَّافات : 171 ، 172 ] الآية . وذلك حين يظهر الحق ، ويزهق الباطل ، كما قال : { وقل جاء الحق } أي : الإسلام أو الوحي ، { وزهق الباطلُ } ذهب ، وهلك الكفر والشرك ، وتسويلات الشيطان { إِنَّ الباطلَ } كائنًا ما { كان زهوقًا } أي : شأنه أن يكون مضمحلاً غير ثابت . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْح ، وحَوْلَ البَيْتِ ثَلاثُمِائةٍ وَسِتُّون صَنَمًا ، فَجَعَل يَطْعَنُ بمخْصَرةٍ كانت بيَده في عين كُل واحد ، ويقول : " جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ " ، فَيَنْكَبُّ لِوَجْهِهِ ، حَتَّى أَلْقَى جمِيعها ، وَبَقِيَ صَنَمُ خُزَاعَة فوْقَ الكَعْبَةِ ، وكَانَ من صُفْرٍ ، فقال : " يا عَلِيُّ ، ارْمِ بِهِ " فصعَدَ إليه ، ورَمَى به ، فَكَسَرَهُ . هـ . الإشارة : إذا تمكن العارفون من شهود حضرة القدس ومحل الأنس ، وصارت معشش قلوبهم كان نزولهم إلى سماء الحقوق وأرض الحظوظ بالإذن والتمكين ، والرسوخ في اليقين . فلم ينزلوا إلى سماء الحقوق بسوء الأدب والغفلة ، ولا إلى أرض الحظوظ بالشهوة والمتعة ، بل دخلوا في ذلك بالله ولله ، ومن الله وإلى الله ، كما في الحكم . ثم قال : { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق } ليكون نظري إلى حولك وقوتك إذا أدخلتني ، وانقيادي إليك إذا أخرجتني . { واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا } ينصرني ولا ينصر عليّ ، ينصرني على شهود نفسي ، حتى أغيب عنها وعن متعتها وهواها ، ويفنيني عن دائرة حسي ، حتى تتسع عليّ دائرة المعاني عندي ، وأفضي إلى فضاء الشهود والعيان ، فحينئذ يَزهق الباطل ، وهو ما سوى الله ، ويجيء الحق ، وهو وجود الحق وحده ، فأقول حينئذ : { وقل جاء الحق وزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كان زهوقًا } ، وإنما أثبته الوهم والجهل ، وإلا فلا ثبوت له ابتداء وانتهاء . وثبوت الوهم والجهل في القلب مرض من الأمراض وشفاؤه في التمسك بما جاء به القرآن العظيم