Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 118-119)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : هذه المقالة صدرت من بعض اليهود والمشركين ، قالوا ذلك تعنتاً وعناداً ، لا طلباً لليقين ، فلذلك نفى الله عنهم العلم رأساً ، والمقصود في هذه الآيات كلها توبيخ اليهود . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وقال الذين } لا علم عندهم : هلا { يكلمنا الله } حتى نسمع منه أنك رسوله ، { أو تأتينا آية } ظاهرة ، نراها جهرة تدل على رسالتك ، كما كانت لموسى - عليه السلام - . وهذه المقالة التي صدرت من اليهود ، تَعنتاً وعناداً ، قد صدرت ممن قبلهم من أسلافهم ، فقالوا : { أرنا الله جهرة } ، ومن النصارى فقالوا : { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ } [ المَائدة : 112 ] ، ومن المشركين فقالوا : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } [ الإسراء : 90 ، 91 ] الآية . فقد تماثلت قلوبهم في الكفر والعناد ، وتشابهت في العتو والفساد ، قد أوضحنا لك الآيات البينات ، تحقق رسالتك وتقرر اصطفائيتك ، لمن طلب مزيد الإيقان ، وكشف البيان على نعت العيان ، فأعظمُها القرآن ، ثم ما أوضحته من شرائع الأحكام ، وما بينته من الحلال والحرام ، ثم ما أخبرت به من الغيوب ، وما كشفته عن القلوب من الكروب ، ثم نطق الجمادات والأحجار ، كحنين الجذع وانقياد كشفته عن القلوب من الكروب ، ثم نطق الجمادات والأحجار ، كحنين الجذع وانقياد الأشجار ، وتسبيح الحصى ، وتسليم الحجر ، وقد نبع الماء من بين أصابعه وانهمر ، إلى ما لا يعد ولا يحصى . فقد { أرسلناك بالحق } ، أي : متلبساً بالحق ومبيناً له ، { بشيرا } لمن صدقتك واتبعك بالنعيم المقيم ، و { نذيرا } لمن خالفك بعذاب الجحيم . فلا تسأل عن حالهم إذا أفضوا إليه ، فإنه أعظم من أن يذكر ، وأفظع من أن يسمع ، إذ لا يمكن تفسير حالهم ، ولا يستطيع أحد سماع أهوالهم ، فالله يعصمنا من موارد الردى ، ويوفقنا لاتباع الحق والهدى ، أو لا يسألك ربك عنهم فهو أعلم بحالهم ، وبالله التوفيق . الإشارة : طلب الكرامات وظهور الآيات من طبع أهل الجهل والعناد ، وليس هو من شيم أهل الهداية والاسترشاد . فالطريق واضح لمن طلب السبيل ، والحق لائح لمن أبصر الدليل ، فمن كحل عين بصرته بإثمد التوحيد الخاص ، لم يقع بصره إلا على إلا على الحق ، ولا يعرف إلا إياه ، ورأى الأشياء كلها قائمة بالله ، بل لا وجود لها مع الله ، ومن فتح الله سمع قلبه لم يسمع إلا من الحق ، ولا يسمع إلا به ، كما قال القائل : أنا بالله أنطق ومن الله أسمع . وقال الجنيد رضي الله عنه : لي أربعون سنة أُناجي الحق ، والناس يَروْن أني أناجي الخلق . فالخالق محذوفون عند أهل العلم بالتحقيق ، مُثْبَتُونَ عند أهل الجهل والتفريق . يقولون : لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ، مع أنه يكلمهم في كل وقت وساعة ، كذلك قال مَن شاركهم في الجهل بالله ، مع وضوح الآيات لمن عرف الله . والله يقول الحق وهو يهدي السبيل . ولمَّا قالت اليهود والنصارى لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعل بيننا وبينك هُدْنة نتبعك بعدها ، وأضمَرُوا في نفوسهم أنهم لا يتبعونه حتى يتبع ملتهم ، فضحهم الله تعالى .