Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 159-162)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الضمير في { فيها } : يعود على اللعنة أو النار ، وإضمارها قبل الذكر تفخيماً لشأنها ، وتهويلاً لأمرها . يقول الحقّ جلّ جلاله في شأن أحبار اليهود حيث كتموا صفة الرسول صلى الله عليه وسلم : { إن الذين يكتمون } ما أنزلناه عليهم في كتابهم من صفة محمد - عليه الصلاة والسلام - من الآيات لاواضحات في شأنه ، وبيان صفته وبلده وشريعته ، وما يهدي إلى وجوب اتباعه ، والإيمان به ، { من بعد ما بيناه للناس } في التوراة ، { أولئك } الكاتمون { يلعنهم الله } ويطردهم عن ساحة رحمته ، { ويلعنهم } الجن والإنس ، وكل ما يتأتيى منه اللعن كالملائكة وغيرهم . { إلا الذين تابوا } من الكتمان ، وكل ما يجب أن يتاب منه ، { وأصلحوا } ما أفسدوا من الدين بالتدارك ، { وبينوا } ما كتموا { فأولئك أتوب عليهم } وأرحمهم { وأنا التّواب الرحيم } أي : المبالغ في قبول التوبة وإفاضة الرحمة ، وأما من مات على الكفر ولم يتب فأولئك { عليهم لعنة الله } ، ومن يُعْتَدّ بلعنته من { الملائكة والناس أجمعين } خالدين في اللعنة أو في النار { لا يخفف عنهم العذاب } ساعة ، ولا هم يمهلون عنه ، أو لا ينتظرون للاعتذار أو الفداء . الإشارة : ما قيل في أحبار اليهود يقال مثله في علماء السوء من هذه الأمة ، الذين ملكتهم جيفة الدنيا ، وأسرهم الهوى ، الذين يقبضون الرّشَا على الأحكام ، فيكتمون المشهور الواضح ، ويحكمون بشهوة أنفسهم ، فأولئك يلعنهم اللاعنون ، وفي ذلك يقول ابن المبارك - رحمه الله - : @ وهل أَفْسَدَ الدينَ إلا الملوكُ وأحْبَارُ سُوءٍ ورُهْبَانُهَا وباعُوا النفوسَ ولم يَرْبَحُوا ولم تغْلُ في البَيْع أثْمَانُهَا لقدْ رتعَ القومُ في جِيفَةٍ يَبِينُ لذِي العَقْلِ إنْتَانُهَا @@ وكان يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه يقول لعلماء وقته : يا معْشرَ العلماء ، ديارُكم هَامَانيَّة ، وملابِسُكُم قَارُونية ، ومَرَاكِبُكُم فرعونية وولائمُكُمْ جالوتية ، فأين السنّةُ المحمدية ؟ . إلا مَن تاب وأصلح ما أفسد ، وبيَّن ما كتم ، فأولئك يتوب الله عليهم . تنبيه : العلم باعتبار وجوب إظهاره وكتمه على ثلاثة أقسام : قسم يجب إظهاره ، ومَنْ كَتَمَه دخل في وعيد الآية ، وهو علم الشريعة الظاهرة ، إذا تعيَّن على المسؤول بحيث لم يُوجَد من يُفتِي في تلك النازلة . وقسم يجب كتمه ، وهو علم سرّ الربوبية ، أعني التوحيدَ الخاص ، فهذا لا يجوز إفشاؤه إلا لأهله ، وهو من بذل نَفْسَه وفَلْسَهُ وخَرقَ عوائد نفسه ، فهذا لا يحل كتمه عن إذا طلبه . وقسم يُستحب كتمه ، وهو أسرار القدَر المُغَيَّبَات ، فهذا من باب الكرامات يستحب كتمها ولا يجب ، والله تعالى أعلم . هنا انتهى العتاب لبني إسرائل والكلام معهم ، وابتداؤه من قوله تعالى : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم … } ، وإنما تخلَّل الكلامَ ذكرُ إبراهيم وبنيه توطئةً لنسخ القبلة الذي أنركوه ، فذكر بناء الكعبة وبيان شرفها ، وانجزَّ الكلام إلى ذكر الصفا والمروة لقرب المناسبة والجوار . فلما فرغ من عتابهم دلَّهم على التوحيد ، وشاركهم في ذلك غيرهم .