Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 214-214)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أم } منقطعة بمعنى بل ، وتتضمن استفهاماً إنكاريّاً ، و " حسب " تتعدى إلى مفعولين ، أي : أظننتم دخول الجنة حاصلاً من غير أن يأتيكم ؟ . و { لما } أصلها { لم } زيدت عليها " ما " وهي تدل على توقع منفيها بخلاف لم . و { حتى يقول } يصح فيه النصب { أن } لأن الزلزلة متقدمة على قول الرسول ، والرفع على حكاية الحال ، أي : وزلزلوا حتى حالتهم حينئذٍ أن الرسول ومن معه يقولون كذا وكذا . وفائدة الحكاية : فرض ما كان واقعاً في الزمان الماضي واقعاً في هذا الزمان ، تصوّراً لتلك الحال العجيبة ، واستحضاراً لصورتها في مشاهدة السامع ، وإنما وجب رفعه عند إرادة الحال لأنه نصبه يؤدي إلى تقدير { أن } ، وهي للاستقبال ، والحال يُنافيه ، ويصح في موضع " حتى " الداخلة على الحال الفاء السببية . يقول الحقّ جل جلاله للرسول - عليه الصلاة والسلام - والمؤمنين ، تسلية لهم وتشجيعاً لقلوبهم : أظننتم أن تدخلوا الجنة ولمَّا يُصبكم مثلُ ما أصاب مَنْ قبلَكم من الأنبياء وأممهم ، فقد { مسّتهم البأساء } في أموالهم بالغصب والنهب والموت { والضراء } وفي أبدانهم بالتقل في الحرب والمرض وأنواع البلاء ، { وزلزلوا } أي : ضُربوا بالمحن والشدائد ، وطال عليهم البلاء ، وتأخر عنهم النصر ، حتى أفضى بهم الحال إلى أن قالوا : { متى } يأتينا { نصر الله } ؟ استبطاء لمجيئه مع شدة البلاء . قال الحقّ جلّ جلاله بشارةً لهم : { ألا إن نصر الله قريب } فلا تستعجلوا ، { وَاصْبِرُواْ إِنَ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [ الأنفَال : 46 ] ، { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الأعرَاف : 128 ] . الإشارة : الجنة حفت بالمكاره ، ولا فرق بين جنة الزخارف وجنة المعارف ، فمن رام دخول جنة المعارف قبل أن يمسه شيء من المكاره ، فقد رام المحال . قال أبو المواهب : من ادعى شهود الجمال ، قبل تأدبه بالجلال ، فارفضه فإنه دجال . وقال بعض العارفين : [ صيحة العدو سوط الله يزجر به قلوب أوليائه لئلا تسكن إلى غيره . وفي الحكم : " إنما أَجْرَى الأذى عيلهم كي لا تكونَ ساكناً إليهم ، أراد أن يزعجك عن كل شيء حتى لا تكون ساكناً إلى شيء " . وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : " اللهمَّ إنَّ القوم قَد حكَمْتَ عليهم بالذل حتى عزُّوا ، وحكمت عليهم بالفقْدِ حتى وَجَدُوا . فتسليط الخلق على أولياء الله في بدايتهم سنة ماضية ، وحكمة إلهية ، { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } [ الأحزَاب : 62 ] . حتى إذا تخلصوا من البقايا ، وكملت فيهم المزايا ، نشر فضيلهم لعباده ، فأقروهم ليُعرفُوهم الطريق إلى الله ، ويدلوا العباد على الله ، بعد أن كساهم حينئذٍ كُسوة الجمال وكسوة الجلال ، فبكسوة الجمال يقع الائتلاف عليهم والعطف لهم ، وبكسوة الجلال يقع الامتثال لأمرهم والاستماع لقولهم . والله تعالى أعلم . ولمّا أمر الحق تعالى بالنفقة في الجهاد وغيره ، سألوا ما الذي ينفقون ؟ ، فبيَّن الله تعالى لهم المنفَق والمحل الذي تُدفع فيه .