Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 224-225)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قل : العرضة : فُعلة ، بمعنى مفعولة : أي : معرضاً منصوباً ، لأيمانكم تحلفون به كثيراً ، فيصير اسم الجلالة مبتذلاً بينكم . و { أن تبروا } : مفعول من أجله . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولا تجعلوا الله } أي : اسم الجلالة ، معرضاً { لأيمانكم } ، فتتبذلونه بكثرة الحلف ، فتمتنعون من فعل الخير بسبب الحلف ، كراهة { أن تبروا } أي : تفعلوا فعل البر ، وهو الإحسان ، وكراهة أن { تتقوا } أن تجعلوا بينكم وبين الله وقاية بفعل المعروف ، وذلك أن يحلف الرجل ألا يصل رحمه ، أو لا يسلم على فلان ، او لا يضمن أحداً ، أو لا يبيع بدين ، أو لا يسلف أحداً ، أو لا يتصدق ، فهذه الأمور كلها بر وتقوى ، نهى الله تعالى عن الحلف على عدم فعلها ، أو يحلف ألا يصلح بين الناس ، فيجب على الحالف على ذلك أن يحنث ، ويكفر عن يمينه . ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : " إنِّي لأَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى خيْراً منْهَا ، فأكفر عن يميني ، وآتي الَّذِي هُوَ خَيْرٌ " وقال لابن سَمُرَة : " إذا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ ، فَرأيْتَ غَيرهَا خَيْراً مِنْهَا ، فاتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ، وَكَفّرْ عَنْ يمِينِك " . أو يقول الحقّ جلّ جلاله { ولا تجعلوا لله } معرضاً لأيمناكم ، تحلفون به كثيراً ، نهيتكم عن ذلك ، إرَادَةَ أنْ تكونوا أبراراً متقين ، مصلحين { بين الناس } فإن الحالف مجترئ على الله ، والمجترئ لا يكون برّاً متقياً ، ولا موثوقاً به في إصلاح ذات البين ، { والله سميع } لأيمانكم ، { عليم } بنياتكم . ثم رفع الحق تعالى الحرج عن يمين اللغو الذي لا قصد فيه - فقال : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } ، وهو ما يجري على اللسان من غير قصد ، كقول الرجل في مجرى كلامه : لا والله وبلى والله ، قاله ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهما - ، وبه قال الشافعي . وقال أبو هريرة والحسنُ وابنُ عباس - في أحد قوليه - : هو أن يحلف على ما يعتقد فيظهر خلافه . وبه قال مالك رضي الله عنه ، والأول ألْيَق بقوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } أي : بما عقدت عليه قلوبكم ، { والله غفور } حيث لم يؤاخذكم باللغو ، { حليم } حيث لم يعجل بالمؤاخذة على يمين الجدّ ، تربصاً للتوبة . الإشارة : يقول الحقّ جلّ جلاله : { لا تجعلوا الله عُرضة لأيمانكم } ، لكن اجعلوه عرضة لتعظيم قلوبكم ومشاهدة لأسراركم ، فإني ما أظهرت اسمي لتبتذلوه في الأيمان والجدال ، وإنما اسمي لتتلقَّوْه بالتعظيم والإجلال ، فمن عظَّم اسمي فقد عظَّم ذاتي ، ومن عظم ذاتي جعلته عظيماً في أرضي وعند أهل سمواتي ، وجعلته برّاً تقيّاً ، من أهل محبتي وودادي ، وداعياً يدعو إلى معرفتي ، ويصلح بيني وبين عبادي ، فمن حلمي ورأفتي : أني لا أؤاخذ بما يجري على اللسان ، وإنما أؤاخذ بما يقصده الجَنَان . تنبيه : كثرة الحلف مذموم يدل على الخفة والطيش ، وعدم الحلف بالكلية تعسف ، وخيرُ الأمور أوساطها ، كان عليه الصلاة والسلام يحلف في بعض أحيانه ، يقول : " لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ " " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ " والله تعالى أعلم .