Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 265-265)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الربوة - مثلثة الراء - : المكان المرتفع ، والوابل : المطر الغزير ، والطل : المطر الخفيف ، وفي ذلك يقول الراجز : @ والطلُّ ما خفَّ من الأمْطَارِ والوابلُ الغزيرُ ذو أنْهِمَارِ @@ و { ابتغاء مَرْضات الله } و { تثبيتاً } : حالان من الوافي في : { ينفقون } ، أو مفعولان له . والتثبيت بمعنى التثبت ، أي : التحقق ، كقوله تعالى : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْه تَبْتِيلاً } [ المُزمّل : 8 ] أي : تبتلاً . يقول الحقّ جلّ جلاله : { مثل الذين ينفقون أموالهم } في سبيل الله { ابتغاء مرضات الله } وتحققاً { من أنفسهم } بثواب الله ، أو تحقيقاً من أنفسهم بالوصول إلى رضوان الله إن بذلوا أموالهم في طلب رضى الله ، مَثَلُ نفقتهم في النمو والأرتفاع { كمثل جنة } أي : بستان { بربوة } بمكان مرتفع ، فإن شجره يكون أحسن منظراً وأزكى ثمراً ، { أصابها وابل } أي : مطر غزير { فآتت أكلها } أي : ثمارها { ضعفين } أي : مِثْلَيْ ما كانت تثمر في عادتها ، أي : حملت في سَنَةٍ ما يحمل غيرها في سنتين ، بسبب هذا المطر الذي نزل بها ، { فإن لم يصبها وابل فطل } أي : فيصيبها طل ، أي : مطر قليل يكفيها لطيب تربتها وارتفاع مكانها ، فأقلُّ شيء يكفيها . والمراد : أن نفقات هؤلاء ، لإخلاصهم وكمال يقينهم ، كثيرة زاكية عند الله ، وإن كانت قليلة في الحس فهي كثيرة في المعنى . وفي الحديث : " مَنْ تصدَّقَ ولو بلُقْمة وقعتْ في كَفٍّ الرحمن فيُرَبِّيها كما يُربى أحدُكُم فلُوَّهُ أو فَصِيله ، حتى تكونَ مثل الجبل " وفي قوله : { والله بما تعلمون بصير } : تحذير من الرياء ، وترغيب في الإخلاص . الله تعالى أعلم . الإشارة : تنمية الأعمال على قدر تصفية الأحوال ، وتصفية الأحوال على قدر التحقق بمقامات الإنزال ، أي : على قدر التحقق بالإنزال في مقامات اليقين ، فكل من تحقق بالنزول في مقامات اليقين ، ورسخت قدمه فيها ، كانت أعماله كلها عظيمة ، مضاعفة أضعافاً كثيرة ، فتسبيحة واحدة من العارف ، أن تهليلة واحدة ، تعدل الوجود بأسره ، ولا يزنها ميزان ، وكذلك سائر أعمال العارف : كلها عظيمة مضاعفة لأنها بالله ومن الله وإلى الله ، وما كان بالله ومن الله يطرقه نقص ولا يشوبه خلل ، ولأجل هذا صارت أوقاتهم كلها ليلة القدر ، وأماكنهم كلها عرفات ، وأنفاسهم كلها زكيات ، وصحبتهم كلها نفحات ، ومخالطتهم كلها بركات . نفعنا الله بذكرهم وخرطنا في سلكهم . آمين .