Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 267-267)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { تيمموا } : أصله : تتيمموا ، أي تقصدوا ، وجملة { تنفقون } : حال مقدرة - من فاعل { تيمموا } ، و { منه } : يصح أن يتعلق بـ { تنفقون } أو بـ { الخبيث } ، أي ولا تقصدوا الخبيث حال كونكم تنفقونه ، أو لا تقصدوا الخبيث تنفقون منه ، و { لستم بآخذيه } : حال أيضاً من فاعل { تنفقون } . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم } من الأموال في التجارة وغيرها ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا معشرَ التُجار ، أنتم فُجار إلا من اتقى وبَرَّ وصَدَق وَقَالَ بالمال هكذا وهكذا " . وقوله : { من طيبات ما كسبتم } أي : من حلاله ، أو من خياره ، أما في الزكاة فعلى الوجوب ، إذ لا يصح دفع الرديء فيها ، وأما من التطوع فعلى سبيل الكمال ، وأنفقوا أيضاً من طيبات { ما أخرجنا لكم من الأرض } من أنواع الحبوب والثمار والفواكه ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ مُسْلِم يَغْرِسَ غَرْساً ، أَوْ يَزرَعُ زَرْعاً ، فَيَأكُلُ مِنهُ إنْسَانٌ ولا دَابَّةٌ ولاَ طَائِرٌ ، إلاَّ كَانَت لَهُ صدقةً إلى يَوَمِ الِقِيَامِةِ " ولا تقصدوا { الخبيث } أي : الرديء من أموالكم ، فتنفقون منه وأنتم { لستم بآخذيه } في ديونكم { إلا أن تُغْمضوا } بصركم فيه ، وتقبضونه حياء أو كرهاً أو مسامحة . نزلت في قوم كانوا يتصدقون بخبيث التمر وشراره ، فنُهوا عنه ، وأدبهم بقوله : { واعلموا أن الله غني } عن إنفاقكم ، وإنما أمركم به منفعة لكم ، { حميد } بقبوله وإثابته ، فهو فعيل بمعنى الفاعل ، مبالغة ، أي : يحمد فعلكم ويشكره لكم ، إن أحسنتم فيه ، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله قَسَم بينَكم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم ، وإن الله طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيباً ، لا يكسبُ عبدٌ مالاً من حرام فيتصدقُ منه فيُقْبل منه ، ولا ينفقُ منه فيبَارك له فيه ، ولا يتركهُ خلفَ ظهره إلا كان زاده إلى النار ، وإن الله لا يمحو السيىء بالسيىء ولكن يمحو السيىء بالحسن ، وإن الخبيث لا يمحوه الخبيُ " . الإشارة : يا أيها الذين آمنوا إيمان الخصوص ، أنفقوا العلوم اللدنية والأسرار الربانية ، من طيبات ما كسبتم من تصفية أسراركم وتزكية أرواحكم ، وأنفقوا أيضاً علوم الشريعة وأنوار الطريقة ، مما أخرجنا لكم من أرض نفوسكم التي تزكت بالأعمال الصافية والأحوال المُرْضِية . ولا تيمموا العمل الخبيث أو الحال الخبيث ، تريدون أن تنفقوا منه شيئاً من تلك العلوم ، فإن ذلك لا يزيد النفس إلا جهلاً وبعداً ، فكما أن الحبة لا تنبت إلا في الأرض الطيبة ، كذلك النفس لا تُدفن إلا في الحالة المرضية ، فلا تؤخذ العلوم اللدنية من النفس حتى تدفن في أرض الخُمول ، وأرض الخمول هي الأحوال المرضية ، الموافقة للقواعد الشرعية ، وإليه الإشارة بقوله : { ولستم بآخذيه } أي : لستم بآخذي العلم اللدني من الحال الخبيث ، غلا أن تغيبوا فيه عن حِسَّكم ، ومن غلبه الحال لم يبق عليه مقال . وعليها تتخرج قصة لص الحَمَّام ، فلا يقتدى به لغلبة الحال عليه ، واعلموا أن الله غني حميد ، لا يتقرب إليه إلا بما هو حميد . والله تعالى أعلم .