Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 284-284)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : من قرأ { فيغفر } بالجزم ، فعلى العطف على الجواب ، ومن قرأ بالرفع فعلى الاستئناف ، أي : فهو يغفرُ . يقول الحقّ جلّ جلاله : { لله ما في السماوات وما في الأرض } خلقاً وملكاً وعبيداً ، يتصرف فيهم كيف شاء يرحم من يشاء بفضله ، ويعذب من يشاء بعدله ، { وإن تبدوا } أي : تظهروا { ما في أنفسكم } من السوء والعزم عليه ، { أو تخفوه } في قلوبكم ، { يحاسبكم به الله } يوم القيامة { فيغفر لمن يشاء } مغفرته ، { ويعذب من يشاء } تعذيبه ، { والله على كل شيء قدير } لا يعجزه عذاب أحد ولا مغفرته . وعبَّرالحق تعالى بالمحاسبة دون المؤاخذة ، فلم يقل : يؤاخذكم به الله لأن المحاسبة أعم ، فتصدق بتقرير الذنوب دون المؤاخذة بها ، لقوله - عليه الصلاة والسلام : " يدنو المؤمن من ربه حتى يضع كنفه عيه ، فيقرره بذنوبه ، فيقول : هل تعرف كذا ؟ فيقول : يا رب ، أعرف ، فيوقفه على ذنبه ذنباً ، ذنباً فيقول الله تعالى : أنا الذي سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم " فلله الفضل والمنّة ، وله الحمد والشكر . الإشارة : { وإن تبدوا ما في أنفسكم } من الخواطر الردية والطوارق الشيطانية ، أو تخفوه في قلوبكم ، حتى يحول بينكم وبين شهود محبوبكم ، { يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء } فيمحو ظلمته من قلبه بإلهام التوبة والمبادرة إلى اليقظة ، { ويعذب من يشاء } بتركه مع ظلمة تلك الأغيار ، وخوضه في بحار تلك الأكدار ، فما منع القلوب من مشاهدة الأنوار إلا اشتغالها بظلمة الأغيار ، فرّغْ قلبك من الأغيار تملأه بالمعارف والأسرار ، فإن أردت أن تكون عين العين ، فامح من قلبك نقطة الغين ، وهي نقطة السوى ، ولله درّ القائل : @ إِنْ تَلاشَى الكونُ عن عَيْنِ كشْفِي شاهَدَ السرُّ غَيْبَه في بَيَاني فاطْرح الكونَ عن عِيانِكَ وامْحُ نقطةَ الغَيْنِ إنْ أردتَ تَرَاني @@ واعلم أن الخواطر أربعة : ملكي ورباني ونفساني وشيطاني ، فالملكي والرباني لا يأمران إلا بالخير ، والنفساني والشيطاني لا يأمران إلا بالشر ، وقد يأمران بالخير إذا كان فيه دسيسة إلى الشر ، والفرق بين النفساني والشيطاني : أن الخاطر النفساني ثابت لا يزول بتعوذ ولا غيره ، إلا بسابق العناية ، بخلاف الشيطاني : فإنه يزول بذكر الله ، ويرجع مع الغفلة عن الله . والله تعالى أعلم . ولمَّا نزل قوله تعالى : { وإن تبدوا ما في أنفسكم … } الآية . شق ذلك على الصحابة - رضي الله عنهم - فجاء الصدِّيقُ والفاروق وعبدُ الرحمن ومعاذ ، وناسُ من الأنصار ، فَجَثَوْا على الرُّكَب ، وقالوا : يا رسول الله ، ما نزلت علينا آيةٌ أشدُّ من هذه الآية وأنا إن أخذنا بما نُحَدِّثُ به أنفَسنا هَلَكْنَا ! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " هكذا نزلت " فقالوا : كُلِّفنا من العمل ما لا نطيق ، فقال - عليه الصلاة والسلام : " فلعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل : { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } [ البقرة : 93 ] ، قولوا : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [ البقرة : 285 ] " ، فقالوا : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } ، وذَلَّتْ بها أَلْسِنَتُهُمْ ، فأَنْزَلَ اللّهُ التخفيف ، وحكى ما وقع لهم من الإيمان والإذعان .