Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 73-74)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الناس ضُرب مثلٌ } أي : يُبين لكم حالٌ مستغربة ، أو قصة بديعة رائقة حقيقة بأن تسمى مَثَلاً ، وتنشر في الأمصار والأعصار ، { فاستمعوا له } لضرب هذا المثل استماع تدبر وتفكر ، وهو : { إِنَّ الذين تدْعُون } ، وعن يعقوب : بياء الغيبة ، أي : إن الذين تدعونهم آلهة وتعبدونهم { من دون الله لن يخلقُوا ذُبابًا } أي : لن يقدروا على خلقه أبدًا ، مع صغره وحقارته . و { لن } : لتأبيد النفي ، فتدل على استحالته ، { ولو اجتمعوا له } أي : الذباب . ومحله : نصب على الحال ، كأنه قال : لا يقدرون على خلقه مجتمعين له ، متعاونين عليه ، فكيف إذا كانوا منفردين ؟ ! وهذا أبلغ ما أنزل في تجهيل قريش ، حيث وَصَفوا بالألوهية - التي من شأنها الاقتدار على جميع المقدورات ، والإحاطة بكل المعلومات - صُورًا وتماثيل ، يستحيل منها أن تقدر على أضعف ما خلقه الله تعالى وأذله ، ولو اجتمعوا له . { وإِن يسلبْهُمُ الذبابُ شيئًا } من الطيب وغيره ، { لا يستنقذوه منه } أي : هذا الخلق الأرذل الأضعف ، لو اختطف منهم شيئًا فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه ، لم يقدروا وعن ابن عباس رضي الله عنه : أنهم كانوا يطلُونها بالعسل والطيب ، ويغلقون عليها الأبواب ، فيدخل الذبابُ من الكُوِي فيأكله ، فتعجز الأصنام عن أخذه . { ضَعُفَ الطالبُ } : الصنمُ بطلب ما سُلب منه ، { والمطلوبُ } : الذباب بما سَلَب . وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف ، ولو حققت لوجدت الطالب أضعفَ وأضعفَ فإنَّ الذباب حيوان والصنم جماد . { ما قَدَروا الله حقَّ قدره } : ما عرفوه حق معرفته ، حيث جعلوا هذا الصنم الضعيف شريكًا له ، { إِن الله لقويٌّ عزيز } أي : قادر غالب ، فكيف يتجه أن يكون العاجز المغلوب شبيهًا له ! أو لقوي ينصر أولياءه ، عزيز ينتقم من أعدائه . بَعْدَ أن ذكر تعالى أنهم لم يقدروا له قدرًا حيث عبدوا معه من هو منسلخ من صفاته ، وسموه باسمه مع عجزه . ختم بصفتين منافيتين لصفات آلهتهم وهي القوة والغلبة . والله تعالى أعلم . الإشارة : كل من تعلق في حوائجه بغير الله أو ركن بالمحبة إلى شيء سواه ، فقد أشرك مع الله أضعف شيء وأقله . فماذا يجدي تعلقُ العاجزُ بالعاجز ، والضعيف بالضعيف ، ضَعف الطالبُ والمطلوب . فما قدر الله حقَ قدره من تعلق في أموره بغيره . قال الورتجبي : بيَّن سبحانه - بعد ذكر عجز الخلق والخليقة - جلال قدره الذي لا يعرفه غيره ، بقوله : ما قدروا الله حق قدره ، قال : وهذه شكاية عن إشارة الخلق إليه بما هو غير موصوف به ، فذكر غيرته إذ أقبلوا إلى غير من هو موصوف بالقوة الأزلية والعزة السرمدية . ألا ترى كيف قال : { إن الله لقويٌ عزيزٌ } . ثمَّ بيَّن أنه تعالى اصطفى من الملائكة رسلاً يخيرون عنه …