Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 72-77)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { والذين لا يشهدون الزورَ } أي : لا يقيمون شهادة الكذب ، أو لا يحضرون محاضر الكذب فإنَّ مشاهدة الباطل مشاركة فيه ، أي : يبعدون عن محاضر الكذابين ومجالس الخطَّائين ، فلا يقربونها ، تَنَزُّهاً عن مخالطة الشر وأهله . وفي مواعظ عيسى - عليه السلام - : إياكم ومجالسَ الخطَّائين . { وإِذا مَرُّوا باللغو } أي : بالفحش وكل ما ينبغي أن يلغى ويُطرح ، والمعنى : وإذا مروا بأهل اللغو المشتغلين به { مَرُّوا كراماً } معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن التلوث به كقوله : { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } [ القصص : 55 ] وعن الباقر : إذا ذَكروا الفروج كفوا عنها ، وقال مقاتل : إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا عنه وصفحوا . { والذين إذا ذُكِّروا بآياتِ ربهم } أي : قرئ عليهم القرآن ، أو : وعظوا بالقرآن ، { لم يَخرُّوا عليها صُمّاً وعُمْياناً } ، بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية ، مجلتين لها بعيون راعية . وإنما عبّر بنفي الضد تعريضاً بما يفعله الكفرة والمنافقون . { والذين يقولون ربنا هَبْ لنا من أزواجنا } ، " من " : للبيان ، كأنه قيل : هب لنا قرة أعين ، ثم بُينت القرة وفُسرت بقوله : { من أزواجنا وذرياتنا } والمعنى : أن يجعلهم الله لهم قرة أعين بأن يروا منهم من الطاعة والإحسان وما تقر به العين . أو للابتداء ، أي : هب لنا من جهتهم ما تقر به العين ، من طاعة أو صلاح . { و } هب لنا أيضاً من { ذرياتنا قُرةَ أعيُن } بتوفيقهم للطاعة ، ومبادرتهم للفضائل والكمالات ، فإن المؤمن إذا ساعده أهله في طاعة الله تعالى وشاركوه فيها يسر قلبه ، وتقر عينه بما شاهده من مقاربتهم له في الدين ، ويكون ذلك سبباً في لحوقهم به في الجنة ، حسبما وعد به قوله تعالى : { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [ الطور : 21 ] . وإنما قال : " أعين " بلفظ القلة ، دون عيون لأن المراد أعين المتقين ، وهي قليلة بالإضافة إلى أعين غيرهم . والمعنى : أنهم سألوا ربهم يرزقهم أزواجاً وأعقاباً ، عُمَّالاً لله ، يسرون بمكانهم ، وتقر بهم عيونهم ، قيل : ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله . وعن ابن عباس : هو الولد إذا رآه يكتب الفقه . { واجعلنا للمتقين إماماً } أي : أئمة يقتدى بنا في الدين ، فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ، أو : واجعل كل واحد منا إماماً أي : من أولادنا إماماً . والظاهر : أن صدور هذا الدعاء منهم كان بطريق الانفراد إذ يتعذر اجتماعهم في دعاء واحد . وإنما كانت عبارة كل واحد منهم عند الدعاء : واجعلني للمتقين إماماً ، غير أنه حكيت عبارة الكل بصيغة المتكلم مع الغير قصداً إلى الإيجاز ، كقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ المؤمنون : 51 ] . وأبقى إماماً على حاله من الانفراد . قيل : وفي الآية دليل على أن الرئاسة في الدين ينبغي أن تُطلب ويُرغب فيها ، إذا كان القصد نفع عباد الله دون حظ نفساني . { أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة } ، جنس ، أي : الغرفات ، وهي العلالي في الجنة . ووحده بقصد الجنس . { بما صبروا } بصبرهم على مشاق الطاعات ، وترك الشهوات ، وتحمل المجاهدات ، وعلى إذاية أهل الإنكار ، وارتكاب الذل والافتقار . { ويُلَقَّون فيها تحيةً وسلاماً } أي : تحييهم الملائكة ، ويدعون لهم بطول الحياة والسلامة من الآفات . أو : يُحيي بعضُهم بعضاً ، ويسلمون عليهم ، { خالدين فيها } لا يموتون ولا يخرجون ، { حَسُنتْ } أي : الغرفة { مستقراً ومُقاماً } موضعَ قرارٍ وإقامة ، وهي مقابلة : { ساءت مستقراً ومقاماً } . { قل } يا محمد : { ما يعبأُ بكم ربي لولا دعاؤكم } أي : ما يصنع بكم ربِّي ، وأي فائدة في خلقكم ، لولا دعاؤكم إلى الإسلام والتوحيد ، أو : لولا عبادتكم له ، أي : إنما خلقكم لعبادته كقوله : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] فإنما خلق الإنسان لمعرفته وطاعته ، وإلا فهو وسائر البهائم سواء . قال المحشي : والظاهر : أنه خطاب لقريش القائلين : { أنسجد لما تأمرنا } أي : لا يحفل بكم ربي لولا تضرعكم واستغاثتكم إياه في الشدائد . هـ . وقيل : ما يعبأ : بمغفرة ذنوبكم ، ولا هو عنده عظيم ، لولا دعاؤكم معه الآلهة والشركاء ، كقوله : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } [ النساء : 147 ] ، قاله الضحاك . ثم قال : فظاهره : أن " ما " : استفهامية ، ويحتمل كَوْنُهَا نَافِيَةً . انظر بقية كلامه . وفسّر البخاري الدعاء هنا بالإيمان ، أي : ما يبالي بكم ربي لولا إيمانكم المتوقع من بعضكم ، { فقد كذبتم } بما جاء به الرسول فتستحقون العقاب ، { فسوفَ يكونُ } العذاب الذي أنْتَجَهُ تكذيبكم { لِزاماً } لازماً لكم لا تنفكون عنه ، حتى يكبكُم في النار . فالفاء في قوله : { فقد كذَّبتم } استئناف وتعليل لكونهم لا يُعبأ بهم ، وإنما أضمر العذاب من غير تقدم ذكرٍ للإيذان بغاية ظهوره وتهويل أمره ، وأنه مما لا تفي العبارة به . وعن مجاهد : هو القتل يوم بدر ، وأنه لُوزِمَ بين القتلى . وفي المشارق : اللزام : الفيصل ، وقد كان يوم بدر . هـ . والله تعالى أعلم . الإشارة : قوله تعالى : { وإذا مروا بأهل اللغو } ، وهم المتكلمون في حس الأكوان ، مروا كراماً مكرمين أنفسهم عن الالتفات إلى خوضهم . والذين إذا سمعوا الوعظ والتذكير أنصتوا بقلوبهم وأرواحهم ، خلاف ما عليه العامة من التصامم والعمى عنه . { والذين يقولون ربنا … } إلخ ، قال القشيري : قرة الروح : حياتها ، وإنما تكون كذلك إذا كان بحق الله قائماً . ويقال : قرة العين من كان لطاعة الله معانقاً ، ولمخالفة الأمر مفارقاً . هـ . قلت : قرة العين تكون في الولد الروحاني ، كما تكون في الولد البشري فإن الشيخ إذا رأى تلميذه مُجِدّاً صادقاً في الطلب ، حصل له بذلك غاية السرور والطرب ، كما هو معلوم عند أرباب الفن . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق ، وَصلَّى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسَلَّمَ تسليماً .