Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { طس } أي : يا طاهر يا سيد . قال ابن عباس : " هو اسم من أسماء الله تعالى " ، أقسم به أن هذه السورة آياتها القرآن وكتاب مبين . قلت : ولعلها مختصرة من اسمه " اللطيف والسميع " . وقيل إشارة إلى طهارة سر حبيبه . { تلك آياتُ القرآن } ، الإشارة إلى نفس السورة ، وما في معنى الإشارة من معنى البُعد ، مع قرب العهد بالمشار إليه ، للإيذان ببُعد منزلته في الفضل والشرف ، أي : تلك السورة الكريمة التي نتلوها عليك هي آيات القرآن ، المعروف بعلو الشأن . { و } آيات { كتابٍ } عظيم الشأن { مُبين } مظهر بما في تضاعيفه من الحِكَم ، والأحكام ، وأحوال الآخرة ، أو : مبين : مُفرق بين الرشد والغي ، والحلال والحرام ، أو : ظاهر الإعجاز ، على أنه من : أبان ، بمعنى بان ، وعطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى ، نحو : هذا فعل السخي والجواد . ونكّر الكتاب ليكون أفخم له . وقيل : إنما نكّر الكتاب وعرّفه في الحِجْر ، وعرّف القرآن ونكره في الحِجْر لأن القرآن والكتاب اسمان علمان على المنزّل على محمد صلى الله عليه وسلم ، ووصفان له لأنه يُقرأ ويكتب ، فحيث جاء بلفظ التعريف فهو العلم ، وحيث جاء بلفظ التنكير فهو الوصف . قاله النسفي . وما قيل من أهل الكتاب هو اللوح المحفوظ ، وإبانته أنه خُطَّ فيه ما هو كائن ، لا يساعده إضافة الآيات إليه . والوصف بالهداية والبشارة في قوله : { هدىً وبُشرى للمؤمنين } أي : حال كون تلك الآيات هادية ومبشرة للمؤمنين ، فهما منصوبان على الحال ، من الآيات ، على أنهما مصدران بمعنى الفاعل للمبالغة ، كأنهما نفس الهداية والبشارة ، والعامل فيها ما في " تلك " من معنى الإشارة ، أو خبر ، أي : هي هدى وبشرى للمؤمنين خاصة إذ لا هداية لغيرهم بها . { الذين يقيمون الصلاة } يُديمون على إقامة فرائضها وسننها ، ويحافظون على خشوعها وإتقانها ، { ويُؤتون الزكاة } أي : يؤدون زكاة أموالهم ، { وهم بالآخرة هم يُوقنون } حق الإيقان . إما من جملة الموصول ، وإما استئناف ، كأنه قيل : هؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة حق الإيقان ، لا من عداهم لأن من تحمل مشاق العبادات ، إنما يكون لخوف العقاب ، ورجاء الثواب ، أولاً ، ثم عبودية آخراً ، لمن كمل إخلاصه . ثم ذكر ضدهم ، فقال : { إنَّ الذين لا يؤمنون بالآخرة } أي : لا يُصدّقون بها ، وبما فيها من الثواب والعقاب ، { زيَّنَّا لهم أعمالهم } الخبيثة ، حيث جعلناها مشتهية للطبع ، محبوبة للنفس ، حتى رأوها حسنة ، كقوله : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } [ فاطر : 8 ] ، { فهم يَعْمَهُونَ } يترددون في ضلالتهم . كما يكون حال الضال عن الطريق . { أولئك الذين لهم سوءُ العذابِ } في الدنيا بالقتل والأسر يوم بدر ، { وهم في الآخرة هم الأخسرون } أشدّ الناس خسراناً لأنهم لو آمنوا لكانوا من أكرم الناس ، شهداء على جميع الأمم يوم القيامة ، فخسروا ذلك مع خسران ثواب الله والنظر إليه . عائذاً بالله من جميع ذلك . الإشارة : طس : طهر سرك أيها الإنسان ، لتكون من أهل العيان ، طهر سرك من الأغيار لتشاهد سر الأسرار ، وحينئذٍ تذوق أسرار القرآن والكتاب المبين ، وتصير هداية وبشارة للمؤمنين : فإنَّ من قرأ القرآن وعمل به فقد أدرج النبوة بين كتفيه ، كما في الخبر . ثم ذكر من امتلأ قلبه بالأكدار فقال : { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة … } إلخ ، قال القشيري : أغشيناهم فهم لا يُبصِرون ، وعَمَّيْنَا عليهم المسالك ، فهم عن الطريقة المُثْلَى يَصدون . أولئك الذين في ضلالتهم يعمهون ، وفي حيرتهم يترددون . { أؤلئك الذين لهم سوء العذاب } هو أن يجد الألم ولا يجد شهود المُبْتَلِي ، ولو وجدوه تحمل عنهم ثِقَله بخلاف المؤمنين . هـ . ثم ذكر الحق تعالى كيفية نزول القرآن الذي تقدم ذكره ، فقال : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ … }