Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 78-78)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { قال } قارون : { إنما أُوتيته } أي : المال { على علم عندي } أي : على استحقاق مني ، لِمَا فيّ من العلم الذي فَضلت به الناس ، وهو علم التوراة ، وكان أعلم الناس به بعد ، موسى وهارون ، وكان من العباد ، ثم كفر بعد ذلك . وذكر القشيري أنه كان منقطعاً في صومعة للعبادة ، فصحبة إبليسُ على العبادة ، واستمر معه على ذلك ، وهو لا يشعر ، إلى أن ألقى إليه : إن ما هما عليه ، من الانقطاع عن التكسب ، وكون أمرها على أيدي الناس ، ليس بشيء ، فرده إلى الكسب بتدريج ، إلى أن استحكم في حب الدنيا والجمع والمنع ، ثم تركه . هـ . وقيل : المراد به علم الكيمياء ، وكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبا . أو : العلم بوجوه المكاسب من التجارة والزراعة ، أو : العمل بكنوز يوسف . قال تعالى : { أَوَلَمْ يعلم أن الله قد أهلكَ مِنْ قبله من القرون مَنْ هو أشدُّ منه قوةً وأكثرُ جَمْعاً } ، أي : أو لم يكن في علمه ، من جملة العلم الذي عنده ، أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه وأقوى وأغنى ، وأكثر جمعاً للمال ، أو أكثر جماعة وعددا ، وهو توبيخ على اغتراره بقوته وكثرة ماله ، مع علمه بذلك لأن قرأه في التوراة ، وسمعه من حفاظ التواريخ . أو : نفيٌ لعلمه بذلك لأنه لَمَّا قال : { أُوتيته على علم عندي } قيل له ، أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ، ولم يعلم هذا العلم النافع ، الذي هو الاعتبار بمن هلك قبله ، حتى يَقِيَ نفسه مصارع الهالكين . { ولا يُسْئل عن ذنوبهم المجرمون } ، لعلمه تعالى بعملهم ، بل يُدخلهم النار بغتة . أو : يعترفون بها بغير سؤال ، أو : يُعرفون بسيماهم فلا يُسألون ، أو : لا يُسألون سؤال توبيخ ، أو لا يُسْأَلُ المجرمون من هذه الأمة عن ذنوب الماضين . قال محمد بن كعب : هو كلام متصل بما قبله ، والضمير في ذنوبهم عائد على من أهلك من القرون ، أي : أُهلكوا ، ولم يُسْأَلُ غيرهم بعدهم عن ذنوبهم ، بل كان أحد إنما يُعاتب على ما يخصه . هـ . وإذ قلنا هو في القيامة فقد ورد في آيات أخر أنهم يُسْألون ، ويومُ القيامة مواطن وطوائف . والله تعالى أعلم . الإشارة : إذا خص الله عبداً بخصوصية فلا ينسبها لنفسه ، أو لحوله وقوته ، أو لكسبه ومجاهدته ، بل يشهدها منَّةً من الله عليه ، وسابق عناية منه إليه ، قال سهل رضي الله عنه : ما نظر أحد إلى نفسه فأفلح ، والسعيد من صرف بصره عن أفعاله وأقواله ، وفتح له سبيل رؤيةِ مِنَّةِ الله عليه ، في جميع الأفعال والأقوال . والشقي مَنّ زُيِّنَ له في عينه أفعالهُ وأقوالُه وأحوالُه ، ولا فتِحَ له سبيلُ رؤيةِ منَّةِ الله عليه ، فافتخر بها وادعاها لنفسه ، فشؤمه أن يهلكه كما خسف بقارون . لَمّا ادعى لنفسه فضلاً . هـ . ثم قال تعالى : { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ … }