Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 79-80)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : البشر : اسم جمع لا مفرد له ، يطلق على الجماعة والواحد . والرباني : هو الذي يُربي الناس ويؤدبهم ويُهذبهم بالعلم والعمل . وقال ابن عباس : هو الذي يُربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، والنون فيه للمبالغة ، كلحياني ورقباني . و { ولا يأمركم } بالرفع ، استئناف ، وبالنصب : عطف على { يقول } ، و { لا } مزيدة : أي ما كان لبشر أن يستنبئه الله ، ثم يأمر بعبادة نفسه ، ويأمر باتخاذ الملائكة أرباباً . أو غير مزيدة ، والتقدير : ليس له أن يأمر بعبادته ولا باتخاذ الملائكة أرباباً . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ما كان } ينبغي { لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحُكْمَ } أي : الفصل بين العباد ، { والنبوة } أي : الوحي بالأحكام ، { ثم يقول } بعد ذلك { للناس كونوا عباداً لي من دون الله } أو مع الله ، أو يرضى أن يُعبد من دون الله ، { ولكن } يقول لهم : { كونوا ربانيين } أي : علماء بالله ، فقهاء في دينه ، حلماء على الناس ، تُربون الناس بالعلم والعمل والهمة والحال ، بسبب { ما كنتم تعلمون } من كتاب الله { وبما كنتم تدرسون } منه ، أو { بما كنتم تُعَلِّمُون } الناس من الخير بكتاب الله ، وما كنتم تدرسونه عليهم . ولما مات ابن عباس - رضي الله عنهما - قال محمد ابن الحنيفة : مات ربَّاني هذه الأمة . { ولا يأمركم } ذلك البشر الذي خصه الله بالنبوة ، { أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً } من دون الله ، { أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } أي : مناقدون لأحكام الله . قيل : سبب نزول الآية : أن نصارى نجران قالوا : يا محمد تريد أن نعبدك ونتخذك ربّاً ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " معاذ الله أن نعبد غيرَ الله ، أو نَأمُرَ بعبادة غيره " وقيل : إن رجلاً قال : يا رسول الله : نُسلِّم عليك كما يُسلِّم بعضُنا على بعض ، أفلا نسجُد لك ؟ فقال : " لا يَنْبَغِي أن يسجد أحدٌ لأحدٍ من دُونِ اللهِ ، ولكنْ أكْرِموا نَبِيَّكُمْ ، واعْرِفُوا الحقَّ لأَهْلِه " . الإشارة : ما زال الفقراء يعظمون أشياخهم ، ويبالغون في ذلك حتى يُقبِّلون أرجلهم والترابَ بين أيديهم ، ويجتهدون في خدمتهم ، فإذا رءاهم الأشياخ فعلوا ذلك سكتوا عنهم ، لأن ذلك هو ربحهم وسبب فتحهم ، وفي ذلك قال القائل : @ بذَبْح النفوس وحط الرؤوس تُصفى الكؤوس @@ لكنهم يرشدونهم إلى الحضرة ، حتى يفنوهم عن شهود الواسطة ، فيكون تعظيمهم وحط رأسهم إنما هو لله لا لغيره ، وحينئذٍ يكونون ربانيين ، علماء بالله مقربين ، وكان شيخنا يقول : لا تزوروني على أني شيخكم ، ولكن اعرفوا فينا ، وافنوا عن رؤية حسناً ، حتى يكون التعظيم إنما هو لله ربنا . هـ . فدلالة الأشياخ للفقراء على التعظيم والأدب ليس ذلك مقصوداً لأنفسهم ، وحاشاهم من ذلك . ما كان لبشر أن يؤتيه الله الخصوصية ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ، ولكن يقول لهم : كونوا ربانيين عارفين بالله ، حتى يكون تعظيمكم إنما هو لله ، ولا يأمر أيضاً بالفرق حتى يتخذوا الأشياء أرباباً من دون الله ، ولكن يأمر بالجمع حتى يغيبوا عما سوى الله ، وكيف يأمرهم بالفرق ، وهو إنما يدلهم على الجمع ؟ أيأمرهم بالكفر بعد أن كانوا مسلمين . ولله تعالى أعلم .