Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 27-28)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : ولو أنما في الأرض : مذهب الكوفيين وجماعة : أن ما بَعد " لو " : فاعل بفعل محذوف ، أي : ولو ثبت كون ما في الأرض … إلخ . ومذهب سيبويه : أنه مبتدأ ، أي : ولو كون ما في الأرض واقع ، والبحر : مبتدأ ، ويمده : خبره ، أي : يمد ما ذكر من الأقلام . ومن بعده سبعةُ أبحر : مبتدأ وخبر . وحذف التمييز ، أي : مداداً ، يدل عليه يمده ، أو سبعة : فاعل يمده ، أي : يصب فيه سبعةُ أبحر ، والجملة : حال ، أي : ولو أن الأشجار أقلام ، في حال كون البحر ممدوداً ، ما نفدت … إلخ . وجملة يمده : خبر البحر . ومن قرأ بالنصب فعطف على اسم " إن " ، وهو ما . يقول الحق جل جلاله : { ولو أنّ ما في الأرض من شجرة } من الأشجار { أقلام } ، والبحر يمد تلك الأقلام ، يصب في ذلك البحر { سبعةُ أبحر } ، وتلك الأقلام كلها تكتب كلمات الله الدالة على عظمته وكمالاته ، { ما نَفِدَتْ } كلماته ، ونفدت الأقلام ، وجفت تلك الأبحر ، وهذا كقوله : { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } [ الكهف : 109 ] مع زيادة المبالغة بذكر السبعة أبحر ، يقال : مد الدواة وأمدها : جعل فيها مداداً ، فجعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة ، والأبحر السبعة مدادها ، وفروع الأشجار كلها أقلام تكتب كلماته تعالى ، فلو قدر ذلك لتكسرت الأقلام وجفت الأبحر ، قبل ان تنفد كلماته تعالى لأنها تابعة لعلمه ، وعلمه لا نهاية له . وإنما وحدَّ الشجرة لأن المراد تفصيل الشجر وتقَصِيها شجرة شجرة ، حتى ما يبقى من جنس الشجر ، ولا واحدة إلا وقد بُريت أقلاماً . وأوتر الكلمات ، وهي من حيز جمع القلة ، على الكَلِم ، الذي هو جمع الكثرة لأن المعنى : أن كلماته لا يفي بها الأقلام فكيف بكلامه الكَثير ؟ . { إن الله عزيزٌ } لا يُعجزه شيء ، { حكيم } لا يخرج عن علمه وحكمته شيء ، فلا تنفد كلماته وحكمته . والآية جواب اليهود ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن قلنا : الآية مدنية ، أو : أَمروا وَفد قريش أن يسألوه عن قوله : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] ، فقالوا : هل عنيتنا أمْ قومك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " كُلاّ قد عنيت " فقالوا : أليس فيما قد أوتيت أنَّا قد أُوتينا التوراة ، فيها علم كل شيء ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " هي في علم الله قليل " ، فأنزل الله : { ولو أنما … } إلخ . ولما ذكر شأن كلامه وعلمه ذكر شأن قدرته ، فقال : { ما خلْقُكُمْ ولا بعثُكُم إلا كنَفْسٍ واحدةٍ } ، أي : إلا كخلق نفس واحدة ، وبعث نفس واحدة . فحُذف ، للعلم به ، أي : القليل والكثير في قدرة الله تعالى سواء ، فلا يشغله شأن عن شأن ، وقدرته عامة التعلق ، تَنْفُذُ أسرع من لمح البصر . قال الغزالي في الإحياء : ومن غريب حِكَم الآخرة أن الرجل يُدعى به إلى الله تعالى ، فيُحاسب ويُوبخ ، وتُوزن له حسناته وسيئاته ، وهو في ذلك كله يظن أن الله لم يحاسب إلا هو ، ولعل آلاف آلاف ألف مثله في لحظة واحدة . وكل منهم يظن ظنه ، لا يرى بعضهم بعضاً ، ولا يسمعه ، وهو قوله تعالى : { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } . هـ . { إن الله سميع } لقول من يُنكر البعث من المشركين ، { بصيرٌ } بأعمالهم ، فيجازيهم . الإشارة : أوصاف الباري سبحانه كلها كاملة ، غير محصورة ولا متناهية من علم ، وقدرةٍ ، وإرادة ، وكلام ، وغيرها . وأوصاف العبد كلها قصيرة متناهية ، وقد يمد الحقُّ عبده بصفة من صفاته التي لا تتناهى ، فإذا أمده بصفة الكلام تكلم بكلام تعجز عنه العقول ، لا يقدر على إمساكه ، فلو بقي يتكلم عمرَه كله ما نفد كلامه ، حتى يُسكته الحق تعالى . وقد كان بعض السادات يقول لأصحابه ، حين يتكلم عليهم : إني لأستفيد من نفسي كما تستفيدون أنتم مني ، وذلك حين الفيض الإلهي . وإذا أمده بصفة القدرة ، قدر على كل شيء ، وإذا أمده صفة السمع سمع كل شيء ، وإذا أمده بصفة البصر ، أبصر كل موجود … وهكذا . وهذه الأوصاف كامنة في العبد من حيث معناه ، احتجبت بظهور أضدادها صوناً لسِّر الربوبية . والله تعالى أعلم . ثم برهن على كمال أوصافه ، فقال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ … }