Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 51-51)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله لرسوله صلى الله عليه وسلم : { تُرْجي من تشاء منهن } أي : تؤخرها في القسمة ، { وتُؤوي إِليك من تشاء } أي : تضمها إليك ، والمعنى : تترك مضاجعة مَن تشاء منهن وتضاجع مَن تشاء ، فقد خيّره الله في القسمة وعدمها . قال أبو رزين : لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يُطلَّقن ، فقلن : يا نبيَّ الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ، ودَعْنا على حالنا ، فكان ممن أرجى منهن : سودة ، وجويرية ، وصفية ، وميمونة ، وأم حبيبة ، فكان يقيم لهن ما يشاء ، وكان ممن آوى إليه عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، وزينب ، فكان يقسم لهن بالسوية ، لا يفضل بعضهن على بعض . فآوى أربعاً وأرجى خمساً . وقيل : إنه كان صلى الله عليه وسلم يسوّي بين الجميع في القسم ، إلا سودة ، فإنها وهبت ليلتها لعائشة ، حين همّ بطلاقها ، وقالت : لا تطلّقني حتى أُحْشَر في زمرتك وفي نسائك . والجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعدل في القسمة بين نسائه ، أخذاً منه بأفضل الأخلاق ، مع أن الله خيّره . وقيل : { تُرجي من تشاء } أي : تطلق من تشاء منهن ، وتُمسك من تشاء . وقيل : تترك تزوج من شئت من أمتك ، وتتزوج من شئت . { ومن ابتغيتَ مِمَّنْ عزلتَ فلا جُناحَ عليك } أي : ومَن دعوت إلى فراشك ، وطلبت صحبتها ، ممن عزلت عن نفسك بالإرجاء ، فلا ضيق في ذلك ، أي : ليس إذا عزلتها من القسمة ، أو من العصمة ، لم يجز لك ردّها إلى نفسك ، بل افعل ما شئت ، فلا حرج عليك . { ذلك } التفويض إلى مشيئتك { أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنهنَّ ولاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُن } أي : هو أقرب إلى قرة أعينهن ، وقلة حزنهن ، ورضاهن جميعاً لأنه إذا علمن أنّ هذا الحكم من عند الله اطمأنت نفوسهنّ ، وذهب التغاير ، وحصل الرضا ، وقرّت العيون . قلت : والذي يظهر أن مَن أرجاه صلى الله عليه وسلم من النساء إنما كان بوحي ، ومَن ضمه كذلك إذ لا يتصرف إلا بإذن من الله ، فإذا عَلِمَ النساءُ أن الإرجاء والإيواء كان بوحي من الله رضين بذلك ، وقرّت أعينهن ، وزال تغايرهن ، وأما مطلق التفويض إليه فقط ، فلا يقطع الغيرة في العادة ، فالإشارة تعود إلى حكم الإرجاء والإيواء فتأمله . و " كلهن " : تأكيد ضمير " يَرْضَيْن " . { واللهُ يعلم ما في قلوبكم } من أمر النساء ، والميل إلى بعضهن ، أو : يعلم ما في قلوبكم من الرضا بحُكم الله والتفويض إليه ، ففيه تهديد لمَن لم يرضَ منهم بما دبَّر الله ، وفوّض إلى رسوله ، { وكان الله عليماً } بذات الصدور ، { حليماً } لا يُعاجل بالعقوبة ، فهو حقيق بأن يُتقى ويُحذر . الإشارة : إذا تحقق فناء العبد وزواله ، وتكملت ولايته ، كان مفوضاً إليه في الأمور ، يفعل ما يشاء ، ويترك ما يشاء ، لم يبقَ عليه تحجير ، ولم يتوجه إليه عتاب لأن العبد المملوك إذا تحققت محبة سيده له ، كتب له عقد التحرير . وشاهده حديث : " إِذَا أحَبَّ الله عَبْداً لمْ يضُره ذَنْبٌ " ، وحديث البخاري : " لعلَّ الله اطَّلَعَ على أهلِ بَدْرٍِ فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غَفَرتُ لكُمْ " وسببه معلوم . وفي القوت عن زيد بن أرقم : إن الله عزّ وجل ليُحب العبد ، حتى يبلغ من حبه أن يقول له : اصنع ما شئت ، فقد غفرت لك . وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : يبلغ الولي مبلغاً يُقال له : أصحبناك السلامة ، وأسقطنا عنك الملامة ، فاصنع ما شئت . ومصداقه من كتاب الله : قوله تعالى في حق سليمان عليه السلام : { هَذَا عَطَآؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ ص : 39 ] . وهذا وإن كان للنبي من أجل العصمة ، فلَمِنْ كان من الأولياء في مقام الإمامة قسط منه ، من أجل الحفظة . وقال أيضاً رضي الله عنه في بعض أدعيته : وأدرج أسمائي تحت أسمائك ، وصفاتي تحت صفاتك ، وأفعالي تحت أفعالك ، درج السلامة ، وإسقاط الملامة ، وتنزُل الكرامة ، وظهور الإمامة . هـ . فإذا اندرجت أسماء العبد وصفاته وأفعاله تحت أسماء الرب ، وصفاته ، وأفعاله ، لم يبقَ للعبد وجود أصلاً ، وكان الفعل كله بالله ، ومن الله ، وإلى الله . وهذا مقام عزيز ، لا يناله إلا الأفراد من أهل الفناء في الله ، والبقاء بالله ، وقد غطى وصفهم بوصفه ، ونعتهم بنعته ، فغيَّبهم عن اسمهم ورسمهم ، فهم بالله فيما يفعلون ويذرُون . والله تعالى أعلم . ثم قال تعالى : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ … }