Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 149-160)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { فاسْتَفتهم ألِرَبِّكَ البناتُ ولهم البنونَ } أَمَرَ رسولَه أولاً في أول السورة باستفتاء قريش على وجه إنكار البعث ، بقوله : { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } [ الصافات : 11 ] ثم أمره هنا باستفتائهم عن وجه القسمة الضّيزى التي قسموها ، بأن جعلوا لله الإناث ، ولهم الذكور في قولهم : الملائكة بنات الله ، مع كراهتهم لهن ، واستنكافهم من ذكرهن ، وليس من باب العطف النحوي ، خلافاً للزمخشري . { أَمْ خلقنا الملائكةَ إِناثاً وهم شاهدون } حاضرون حتى تحققوا أنهم إناث . وتخصيص علمهم بالمشاهدة استهزاء بهم ، وتجهيل لهم ، لأنهم كما لم يعلموا ذلك مشاهدةً ، لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم ، ولا بإخبار صادق ، ولا بطريق استدلال ونظر ، بل بمجرد ظن وتخمين ، وإلقاء الشيطان إليهم . أو : معناه : أنهم يقولون ذلك عن طمأنينة نفس لإفراط جهلهم ، كأنهم شاهدوا خلقهم . { ألاَ إِنهم من إِفْكِهِمْ لَيقولون وَلَدَ اللهُ وإِنهم لكاذبون } في قولهم . { أَصْطَفَى البناتِ على البنين } الهمزة للاستفهام الإنكاري ، وحذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام ، والاصطفاء : أخذ صفوة الشيء ، { ما لكم كيف تحكمون } هذا الحكم الفاسد ، الذي لا يرتضيه عقل ولا نقل ، { أفلا تَذَكَّرُون } فتعرفوا أنه منزّه عن ذلك ؟ { أم لكم سلطان مبين } حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بنات الله ؟ { فأْتوا بكتابكم } الذي أنزل عليكم ، { إِن كنتم صادقين } في دعواكم . { وجعلوا بينه } بين الله { وبين الجِنَّةِ } الملائكة لاستتارهم ، { نَسَباً } وهو زعمهم أنهم بنات الله . أو : قالوا : إن الله صاهر الجن ، تزوج سَرَوَاتِهم فولدت له الملائكة ، تعالى الله عن قولهم عُلواً كبيراً . { ولقد عَلِمَتِ الجِنَّةُ إِنهم لمُحْضَرُونَ } أي : ولقد علمت الملائكة إن الذين قالوا هذا القول لمحضرون في النار . أو : لقد علمت الملائكة أنهم سيحضرون للحساب من جملة العباد ، فكيف تكون بنات الله ؟ { سبحان الله عما يصفون } نزّه نفسه عما يصفه الكفرة من الولد والصاحبة ، { إِلا عبادَ الله المخلَصين } استثناء منقطع من " المحضرين " ، أي : لكن المخلصون ناجون من النار . و " سبحان الله " : اعتراض بين الاستثناء وبين ما وقع منه ، ويجوز أن يقع الاستثناءُ من واو " يصفون " ، أي : عما يصفه هؤلاء الكفرة لكن المخلصون برءاء من أن يصفوه بذلك . الإشارة : الحق تعالى في عالم القدرة منزَّه عن الولد والصاحبة ، وتصور الأثنينية ، وإنما سر الازدواج والتولد خاص بعالم الحكمة في حضرة الأشباح ، فليكن للعارف عينان عين تنظر لعالم القدرة في حضرة أسرار الذات ، فتوحّد الله ، وتنزهه عن الاثنينية ، وعين تنظر لعالم الحكمة ، فتثبت سر الازدواج والتولد في حضرة الأشباح ، والمظهر واحد ، ولا يفهم هذا إلا الأفراد من البحرية ، الذين خاضوا بحر أحدية الذات وتيار الصفات ، فحطَّ رأسك لهم ، إن أردت أن تذوق هذه الأسرار . وإلا فسلّم تسلم . ثم بين أن الأمور كلهّا بيد الله هدايةً وإضلالاً ، فقال : { فَإِنَّكُمْ … }