Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { ص } أي : أيها الصادق المصدوق . وقال القشيري : معناه : مفتاحُ اسمه الصادق ، والصبور ، والصمد . أقسم بهذه الأسماء ، وبالقرآنِ { ذِي الذكر } أي : ذي الشرف التام ، الباقي ، المخلَّد لمَن تمسّك به ، أو ذي الوعظ البليغ لمَن اتعظ به ، أو ذي الذكر للأمم والقصص والغيوب . أو : يراد به الجميع . وجواب القسم : محذوف ، أي : إنه لكلام معجز ، أو : إنه لَمن عند الله ، أو : إن محمداً لصادق ، أو : ما الأمر كما يزعمون ، أو : { إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } [ يس : 3 ] وقيل : { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ } [ ص : 14 ] أو : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ } [ ص : 64 ] وهو بعيد . { بل الذين كفروا } من قريش { في عِزَّةٍ } تكبُّر عن الإذعان لذلك ، والاعتراف بالحق ، { وَشِقَاقٍ } خلاف لله ولرسوله . والإضراب عن كلام محذوف يدل عليه جواب القسم ، أي : إن كفرهم ليس عليه برهان ، بل هو بسبب العزة ، والعداوة ، والشقاق ، وقصد المخالفة . والتنكير في " عزة وشقاق " للدلالة على شدتهما وتفاقمهما . وقرىء " في غِرَّةٍ " أي : في غفلة عما يجب عليهم من النظر واتباع الحق . ثم هدّدهم بقوله : { كم أهلكنا من قبلهم } من قبل قومك { من قَرْنٍ } من أُمّة أو جيل ، { فَنَادَوا } أي : فدعوا واستغاثوا حين رأوا العذاب : { ولاتَ حين مَنَاصٍ } أي : وليس الوقت وقت خلاص ونجاة وفرار ، والمعنى : أنهم استغاثوا حين لم ينفعهم ذلك . { ولات } هي " لا " المشبّهة بـ " ليس " ، زيدت عليها تاء التأنيث ، كما زيدت على " ربّ " ، و " ثمّ " للتوكيد ، وتغيّر بذلك حكمها ، حيث لم تدخل إلا على الأحيان ، ولم يبرز إلا أحد معموليها ، إما الاسم أو الخبر ، وامتنع بروزهما بنفي الأحيان ، وهذا مذهبُ الخليل وسيبويه ، وعند الأخفش أنها النافية للجنس ، زيدت عليها الهاء ، وخصّت بنفي الأحيان . وقال أبو محمد مكي : الوقف عليها عند سيبويه ، والفراء وأبي إسحاق ، وابن كيسان ، بالتاء ، وعليه جماعة القراء ، وبه أتى خط المصحف . وعند المبرد والكسائي بالهاء ، بمنزلة " رب " . اهـ . الإشارة : افتتح الحق جلّ جلاله هذه السورة ، التي ذكر فيها أكابر أصفيائه ، بحرف الصاد ، إشارة إلى مادة الصبر ، والصدق ، والصمدانية ، والصفاء إذ بهذه المقامات ارتفع مَن ارتفع ، وبالإخلال بها سقط مَن سقط . فبالصبر على المجاهدات تتحقق الإمامة والقدوة ، وبالصدق في الطلب يقع الظفر بكل مطلب ، وبالصمدانية تقع الحرية من رقّ الأشياء ، وبالصفاء تحصل المشاهدة والمكالمة ، فكأن الحق تعالى أقسم بهذه الأشياء وبكتابه العزيز إن المتكبرين على أهل الخصوصية ما أنكروا إلا جُحوداً وعناداً ، وتعزُّزاً واستكباراً ، لا لخلل فيهم ، ثم أوعدهم بالهلاك ، كما أهلك مَن قبلهم ، فاستغاثوا حين لم ينفعهم الغياث . ثم ذكر تعجبهم من كون المنذرِ منهم فقال : { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ } .