Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 36-37)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { أليس اللهُ بكافٍ عَبْدَه } أي : نبيه صلى الله عليه وسلم . نزلت تقوية لقلبه عليه السلام ، وإزالة للخوف الذي كان الكفار يخوفونه ، أو : جنس العبد ، فيشمل الأنبياء كلهم والمؤمنين ، وينتظم فيه النبي صلى الله عليه وسلم انتظاماً أولياً ، ويُؤيده قراءة الأخويْن بالجمع . وهو إنكار ونفي لعدم كفايته تعالى على أبلغ وجه وآكده ، كأنَّ الكفاية بلغت من الظهور ما لا يقدر أحد على أن يتفوّه بعدمها ، أو يتلعثم في الجواب بوجودها ، وإذا علم العبدُ أن الحق تعالى قائم بكفايته ، سكن قلبه واطمأن ، وأسقط الأحمال والكُلَف عن ظهره ، فلا جرم أن الله يكفيه ما أهمّه ، ويؤمّنه مما يخافه ، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { ويُخوفونك بالذين من دُونه } أي : الأوثان التي اتخذوها آلهة دونه تعالى ، وهي جوامد ، لا تضر ولا تنفع ، وهذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما قالت قريش : إنا نخاف أن تخبُلك آلهتنا ، وتُصيبك معرَّتها لعيبك إياها . وفي رواية : قالوا : لتكفنّ عن آلهتنا ، أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون ، كما قال قوم هود : { إِن نَّقٌولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوءٍ } [ هود : 54 ] . وجملة : " ويخوفونك " : استئناف ، أو : حال . { ومَن يُضلِلِ اللهُ } حتى غفل عن كفايته وعصمته صلى الله عليه وسلم ، أو : اعتقد أن الأصنام تضر وتنفع { فما له من هادٍ } يهديه إلى ما يرشده . { ومَن يهدِ اللهُ } إلى توحيده وطاعته { فما له من مُضلٍّ } يصرفه عن رشده ، أو يصيبه سوء يخل بسلوكه إذ لا راد لفعله ، ولا معارض لقضائه ، كما ينطقُ به قوله تعالى : { أليسَ اللهُ بعزيزٍ } : غالب لا يغالَب ، منيع لا يمانَع ولا ينازَع ، { ذي انتقامٍ } من أعدائه لأوليائه ، بإعزاز أوليائه وإذلال أعدائه . وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتحقيق مضمون الكلام ، وتربية المهابة . والله تعالى أعلم . الإشارة : إذا عَلِمَ العبدُ أن الله كاف جميع عباده ، وثق بضمانه ، فاستراح من تعبه ، وأزال الهموم والأكدار عن قلبه ، فيدخل جنة الرضا والتسليم ، ويهب عليه من روح الوصال وريحان الجمال نسيم ، فيكتفي بالله ، ويقنع بعلم الله ، ويثق بضمانه . قال في لطائف المنن : مبنى الوليّ على الاكتفاء بالله ، والقناعة بعلمه ، والاغتناء بشهوده . قال تعالى : { أليس الله بكافٍ عبده } وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ فصلت : 53 ] هـ . وقال الشيخ أبو الحسن صلى الله عليه وسلم : يقول الله عزّ وجل ـ : عبدي اجعلني مكان همك أكفك همك ، عبدي ما كنت بك فأنت في محل البُعد ، وما كنت بي فأنت في محل القُرب ، فاختر لنفسك . هـ . أي : ما دمت مهموماً بنفسك فأنت في محل البُعد ، وإذا خرجت عنها ، وطرحتها بين يدي خالقها ، أو غبت عن وجودها بالكلية ، فأنت في محل القُرب ، الأول : قُرب مراقبة ، والثاني : قُرب مشاهدة . وقوله تعالى : { ويُخوفونك بالذين من دونه } : هو عام في كل ما يُخاف منه ، فالعارف لا يخاف من شيء لعلمه بأن الله ليس معه شيء ، ولا يقع في الوجود إلا قدره وقضاؤه ، ومَن يعتقد غير هذا فهو ضال ، ومَن يُضلل الله فلا هادي له . وبالله التوفيق . ثم قرر هذا الأمر وحقيقته بقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } .