Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 73-75)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وسيقَ الذين اتقوا ربهم } مساق إعزاز وتشريف ، بلا إسراع ولا تكليف ، إلى دار الكرامة والتعريف . قيل : يُساقون راكبين مبجَّلين ، كما يجيء الوافدون إلى دار الملوك ، يساقون { إِلى الجنة زُمراً } جماعة متفاوتين ، بحسب تفاوت مراتبهم في الفضل ، وعلو الطبقة ، { حتى إِذا جاؤوها وفُتِحَتْ أبوابها } الثمانية . وقرىء بالتخفيف والتشديد . وجواب " إذا " محذوف للإيذان بأن لهم من فنون الكرامة ما لا تُحيط به العبارة ، كأنه قيل : حتى إذا جاؤوها ، وقد فتحت أبوابها ، كان من الأمر والخبر ما يقصر عنه البيان . { وقال لهم خزنتُها سلامٌ عليكم طبتم } ظفرتم ، وتقدّستم في دار التقديس من كل دنس ، وطبتم نفساً ، بما أتيح لكم من النعيم والأمن ، { فادْخُلوها خالدين } ، وحذف الواو في وصف أهل النار لأن أبواب جهنم لا تفتح لهم حتى لهم حتى يصلوا إليها ، وفي وقوفهم قبل فتحها مذلة لهم ، كما هي حال السجون ، بخلاف أهل الجنة ، فإنهم يجدونها مفتوحة ، قال تعالى : { مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ } [ ص : 50 ] كما هي حال منازل الأفراح والسرور . { وقالوا الحمدُ لله الذي صَدَقَنا وَعْدَهُ } أي : أنجزنا ما وعدنا في الدنيا من نعيم العقبى ، { وأورثنا الأرضَ } أرض الجنة ، أي : المكان الذي استقرُّوا فيه ، وقد أُورثوها وملكوها . وأطلق تصرفهم فيها كما يشاؤون تشبيهاً بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه ، واتساعه فيها ، { نتبوَّأُ من الجنة حيث نشاءُ } أي : يتخذ كل واحد منا جنة لا توصف ، سعة وزيادة على الحاجة ، فيتبوأ أيَّ مكان أراده من جنته الواسعة ، { فَنِعمَ أجرُ العاملين } في الدنيا الجنة . { وترى الملائكةَ } حال كونهم { حافِّينَ من حول العرشِ } أي : محدقين به . و " من " لابتداء الغاية ، أي : ابتداء حفوفهم من حول العرش إلى حيث شاء الله ، أو : زائدة ، { يُسبِّحون بحمدِ ربهم } أي : يقولون سبحان الله ، والحمد لله ، سُبوح قُدوس ، رب الملائكة والروح . أو : ينزهونه تعالى عما لا يليق به ، ملتبسين بحمده . والمعنى : ذاكرين الله تعالى بوصفي جلاله وإكرامه ، تلذُّذاً ، وفيه إشعار بأن أقصى درجات العليين في لذائذهم هو الاستغراق في شهوده عزّ وجل . { وقيل الحمدُ لله رب العالمين } يقوله أهل الجنة شكراً لله حين دخلوها ، وتمّ وعد الله لهم : { الحمد لله رب العالمين } كما قال : { وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] . الإشارة : وسيق الذين اتقوا ربهم حق تقاته إلى جنة المعارف ، زُمراً ، متفاوتين في السير ، على قدر تفاوتهم في القريحة ، والاعتناء ، والتفرُّغ من الشواغل والعلائق . حتى إذا جاؤوها وفُتحت أبوابها ، بذهاب حجاب الكائنات ، حتى بقي المكوّن وحده ، كما كان وحده ، وجدوا من الأسرار والأنوار ما لا يدخل تحت دوائر العبارة ، ولا تحيط به الإشارة . وقال لهم خزنتها ، وهم شيوخ التربية ، العارفون الله : سلام عليكم طِبتم ، أي : تقدّستم من العيوب والأكدار ، فادخلوها خالدين لأن مَن وصل لا يرجع أبداً ، وما رجع مَن رجع إلا من الطريق . وقالوا : الحمد لله الذي صدقنا وعده ، بأن أنجز لنا ما وعدنا من الوصول ، على ألسنة المشايخ . قال في الحِكَم : " سبحان مَن لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ، ولم يوصل إليهم إلا مَن أراد أن يوصله إليه " . وأورَثَنا أرضَ الوجود بأسره ، نتبوأ من جنة المعارف ، في أقطار الوجود ، بفكرتنا وهمتنا ، حيث نشاء ، فنِعم أجر العاملين . وترى الملائكة حافين من حول العرش ، أي : قلب العارف لأن بيت الرب ، ومحل قرار نوره ، فيحفُّونه بالحفظ والرعاية من دخول الأغيار ، ويُنزهون الله عن الحلول والاستقرار . وقُضي بينهم بالحق ، فعزلت الشياطين عن قلوب الذاكرين ، وتسلّطت على قلوب الغافلين ، والحمد لله رب العالمين ، حيث لم يظلم أحداً من العالمين .