Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 124-126)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الإشارة : { من ذكر أو أنثى } : حال من الضمير في { يعمل } ، وكذا قوله : { وهو مؤمن } و { حنيفًا } ، حال من { إبراهيم } لأنه جزء ما أضيف إليه . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ومن يعمل } شيئاً { من } الأعمال { الصالحات } وهو المهم من المكلف به ، إذ لا طاقة للبشر على الإتيان بكلها . حال كون العامل { من ذكر أو أنثى } إذ النساء شقائق الرجال في طلب الأعمال ، والحالة أن العامل { مؤمن } لأن الإيمان شرط في قبول الأعمال ، فلا ثواب على عمل ليس معه إيمان . ثم ذكر الجواب فقال { فأولئك يدخلون الجنة } أي : يتصفون بالدخول ، أو يدخلهم الله الجنة ، { ولا يُظلمون } أي : لا ينقصون من ثواب أعماله { نقيرًا } أي : مقداره ، وهو النقرة في ظهر النواة . قال البيضاوي : وإذا لم ينقص ثواب المطيع فبالأخرى ألا يزيد في عقاب العاصي ، لأن المجازي أرحَمُ الراحمين . هـ . { ومَن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه لله } أي : لا أحد أحسن دينًا ممن انقاد بكليته إلى مولاه { وهو محسن } أي : مُوَحَّدٌ أحسَنَ فيما بينه وبين الله ، وفيما بينه وبين عباد الله ، { واتبع ملة إبراهيم حنيفًا } بأن دخل في الدين المحمدي الذي هو موافق لملة إبراهيم بل هو عينه ، فمن ادعى أنه على ملة إبراهيم ولم يدخل فيه فقد كذب . ثم ذكر ما يحث على اتباع ملته ، فقال : { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } أي : اصطفاه وخصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله ، وإنما أعاد ذكره ولم يضمر تفخيمًا له وتنصيصًا على أنه الممدوح ، وسمي خليلاً لأنه قد تخللت محبة الله في جميع أجزائه . رُوِي أن إبراهيم عليه السلام كان يضيف الناس ، حتى كان يسمى أبا الضيفان ، وكان منزله على ظهر الطريق ، فأصاب الناسَ سَنَةٌ ، جهدوا فيها ، فحشد الناسُ إلى باب إبراهيم ، يطلبون الطعامَ ، وكانت الميرة كل سنة تصله من صديق له بمصر ، فبعث غلمانه بالإبل إلى الخليل الذي له بمصر يسأله الميرة ، فقال لغلمانه : لو كان إبراهيم يريد لنفسه احتملت له ذلك ، ولكنه يريد للأضياف ، وقد أصابنا ما أصاب الناس ، فرجع الرسل إليه ، ومرّوا ببطحاء لينة ، فملؤوا منها الغرائر حياء من الناس ، وأتوا إبراهيم فأخبروه ، فاهتم إبراهيم لمكان الناس ببابه ، فنام ، وكانت سارة نائمة فاستيقظت ، وقالت : سبحان الله ! أما جاء الغلمان ؟ فقالوا : بلى ، فقامت إلى الغرائر فإذا فيها الحُوَّرَى أي : الخالص من الدقيق فخبزوا وأطعموا ؟ فاستيقظ إبراهيم ، وشم رائحة الخبز ، فقال : يا سارة . من أين هذا ؟ فقالت : من عند خليلك المصري ، فقال : هذا من عند خليلي الله عز وجل ، فحينئذ سماه الله خليلاً . قال الزجاج : ومعنى الخليل : الذي ليس في محبته خَلَ ، أو لأنه ردَّ خلَته ، أي : فقره إلى الله مخلصًا . هـ . { ولله ما في السماوات وما في الأرض } ملكًا وخلقًا وعبيدًا ، فالملك له ، والعبيد عبيده ، يختار ما يشاء كما يشاء من خلة ومحبة وخدمة ، { وكان الله بكل شيء محيطًا } علمًا وقدرة ، فيجازِي كُلاًّ على قدر سعيه وقصده . والله تعالى أعلم . الإشارة : على قدر المجاهدة والمكابدة تكون المعاينة والمشاهدة ، على قدر البدايات تكون النهايات ، من أشرقت بدايته أشرقت نهايته ، والجزاء على العمل يكون على قدر الهمم ، فمن عمل لجنة الزخارف مُتع بها ، ومن عمل لجنة المعارف تنعم بها ، { وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 49 ] ، فمن انقاد إلى الله بكلتية إلى مولاه فلا أحد أحسن منه عند الله ، ومن تمسك بالملة الحنيفية ، وهي الانقطاع إلى الله بالكلية فقد استمسك بالعروة الوثقى ، وكان في أعلى ذروة أهل التقى ، من تخلق بخلق الحبيب كان أقرب إلى الله من كل قريب . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق .