Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 129-129)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولن تستطيعوا } ، يا معشر الأزواج ، { أن تعدلوا بين النساء } العدل الكامل التام في الأقوال والأفعال والنفقة والكسوة والمحبة ، { ولو حرصتم } على ذلك لضعف حالكم ، وقد خففت عنكم ، وأسقطت الحرج عنكم ، فلا يجب العدل في البيت فقط ، وكان صلى الله عليه وسلم يَقسِمُ بين نِسَائِه فيعِدلُ ويقُولُ : " اللهمَّ هذه قسمتي فِيمَا أملِك ، فلا تُؤاخِذني فيمَا لا أملِكُ " ، يعني : ميل القلب ، وكان عمر رضي الله عنه يقول : اللهم قلبي فلا أملكُه ، وأما سوى ذلك فإني أرجو أن أعدل ، وأما الوطء فلا يجب العدل فيه ، إلا أن تتحرك شهوته ، فيكف لتتوفر لذته للأخرى . { فلا تميلوا } إلى المرغوب فيها لجمالها أو شبابها ، { كُلَّ الميل } بالنفقة والكسوة والإقبال عليها ، وتَدَعُوا الأخرى { كالمعلقة } التي ليست ذات بعل ولا مطلقة ، كأنها محبوسة مسجونة ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " من كانت له أمَرأتانِ يَميلُ معَ إحدَاهما ، جَاء يومَ القِيَامَةِ ، وأحَدُ شِقّيه مَائِلٌ " ، { وإن تصلحوا } ما كنتم تفسدون في أمورهن بالعدل بينهن ، { وتتقوا } الجور فيما يستقبل ، { فإن الله كان غفورًا رحيمًا } ، يغفر لكم ما مضى من ميلكم . الإشارة : من شأن العبودية : الضعف والعجز ، فلا يستطيع العبد أن يقوم بالأمور التي كلف بها على العدل والتمام ، ولو حرص كل الحرص ، وجدَّ كل الجد ، فلا يليق به إلا التحقق بوصفه والرجوع إلى ربه ، فيأتي بما يستطيع ولا يحرص على ما لا يستطيع ، فلا يميل إلى الدعة والكسل كل الميل ، ولا يحرص على ما لا طاقة له به كل الحرص ، فإن التعقيد ليس من شأن أهل التوحيد ، بل من شأنهم مساعفة الأقدار ، والسكون تحت أحكام الواحد القهار ، فلا تميلوا إلى التعمق والتشديد كل الميل ، فتتركوا أنفسكم كالمُعلَّقة ، أي : المسجونة ، وهذا من شأن أهل الحجاب ، يُحبسون في المقامات والأحوال تشغلهم حلاوة ذلك عن الله تعالى . فإذا فقدوا ذلك الحال أو المقام سلبوا وأفلسوا . وأهل الغنى بالله لا يقفون مع حال ولا مقام ، هم مع مولاهم ، وكل ما يبرز من عنصر القدرة قبلوه ، وتلونوا بلونه ، وهذا مقام التلوين بعد التمكين . وفي إشارة أخرى : اعلم أن القدرة والحكمة كالزوجين للقلب ، يقيم عند هذه مدة ، وعند هذه أخرى ، فإذا أقام عند الحكمة كان في مقام العبودية من جهل وغفلة وضعف وذلة ، وإذا أقام عند القدرة كان في مقام شهود الربوبية فيكون في علم ويقظة وقوة وعزة . ولا قدرة له على العدل بينهما ، فلا يميل إلى إحداهما كل الميل بل يسير بينهما ، ويعطي كل ذي حق حقه ، بأن يعرف فضلهما ، ويسير بكل واحد منهما . وإن تصلحوا قلوبكم وتتقوا ما يشغلكم عن ربكم ، فإن الله كان غفورًا رحيمًا يغفر لكم ميلكم إلى إحدى الجهتين والله تعالى أعلم .