Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 142-143)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : جملة : { ولا يذكرون الله } حال من واو { يُراءون } ، وكذلك { مذبذبين } أي : يراءون حال كونهم غير ذاكرين مذبذبين ، أو منصوب على الذم ، والمذبذب المضطرب المتردد . يقول الحقّ جلّ جلاله : { إن المنافقين يُخادعون الله } بإظهار الإيمان وإخفاء الكفر ، { وهو خادعهم } ، أي : مجازيهم على خداعهم بأن يظهر لهم يوم القيامة ، نورًا يمشون به على الصراط ، كما يعطي المؤمنين ، فإذا مضوا به طُفِىءَ نورهم وبقي نور المؤمنين ، فينادونهم : { انظُرُونَا نَقْتَبِس مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَالْتَمِسُواْ نُورًا } [ الحديد : 13 ] ، فيتهافتون في النار ، فسمي هذه العقوبة خداعًا تسمية للعقوبة باسم الذنب . وكانوا { إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } أي : متثاقلين ، لا يريدون بها وجه الله ، فإن رءاهم أحد ، صلوا ، وإلاَّ انصرفوا ، فلم يصلوا ، { يُراءون } بأعمالهم { الناس } أي : المؤمنين ، { ولا يذكرون الله إلا قليلاً } لأن المرئي لا يذكر إلا بحرة الناس ، وهو أقل أحواله ، أو لا يذكرونه في صلاتهم إلا قليلاً ، لأنهم لا يذكرون إلا التكبير والتسليم ، وقال ابن عباس : إنما ذلك لأنهم يفعلونها رياءً وسمعةً ، ولو أرادوا بذلك وجه الله تعالى لكان كثيرًا . وقال قتادة : إنما قل ذكرهم ، لأنه لم يُقبل ، فكل ما رُدَّ من العمل فهو قليل ، وكل ما قُّبل فهو كثير . وكانوا أيضًا { مذبذبين } أي : مترددين ومتحيرين بين الكفر والإيمان ، { لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } أي : لا صائرين إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين . قال قتادة : ماهم بمؤمنين مخلصين ، ولا مشركين مُصَرِّحين بالشرك ، هكذا سبق في علم الله ، { ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً } أي : طريقًا إلى الهدى ، ومثله قوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ } [ النور : 40 ] . الإشارة : كل من أحب أن يَرى الناسُ محاسنَ أعماله وأحواله ، ففيه شعبة من النفاق وشعبة من الرياء ، وعلامة المرائي : تزيين ظاهرة وتخريب باطنه ، يتزين للناس بحسن أعماله وأحواله ، يراقب الناس ولا يراقب الله ، وكان بعضُ الحكماء يقول : يقول الله تعالى ـ : " يا مُرائي : أمرُ من ترائى بيد من تعصيه " فمثل هذا أعماله كلها قليلة ، ولو كثرت في الحس كالجبال الرواسي ، وأعمال المخلصين كلها كثيرة ولو قلَّت في الحس ، وأعمال المرائين كلها قليلة ولو كثرت في الحس . قال في القوت : وَصَفَ اللهُ تعالى ذكر المنافقين بالقلة ، لكونه غير خاص ، كما قيل في تفسير قوله تعالى : { ذِكْرًا كَثِيرًا } [ الأحزَاب : 41 ] أي : خالصًا ، فسمي الخالص كثيرًا . هـ . قولى تعالى : { مذبذبين بين ذلك } : هذه صفة أهل الدعوى ، المستشرفين على الحقيقة بالعلم ، ليسوا من الخصوص ولا من العموم ، مترددين بين الفريقين ، ومن يضلل الله عن طريق التحقيق ، فلن تجد له سبيلاً .