Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 145-147)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الدَّرَك والدَّرْك لغتان ، كالظَّعَن والظَّعْن ، والنَّهَر والنَّهْر ، والنَّشَر والنَّشْر ، وهي الطبقة السفلى ، وسميت طبقاتهم دركات لأنها مُتداركة متتابعة ، وهي ضد الدرجات ، فالدرجات للعلو ، والدركات للسفل . يقول الحقّ جلّ جلاله : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } أي : في الطبقة السفلى في قَعر جهنم لإنهم أخبث الكفرة ، حيث ضموا إلى الكفر الاستهزاء بالإسلام وخداع المسلمين . قال ابن مسعود رضي الله عنه : هم في توابيت من النار مقفلة عليهم في النار ، مطبقة عليهم . وعن ابن عمر رضي الله عنه : إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة ثلاثة : المنافقون ، وممن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون لقوله : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } وقال في أصحاب المائدة : { فَإِنْي أُعَذِبُهُ عَذَابًا لآَّ أُعَذِبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالمِينَ } [ المَائدة : 115 ] . وقال : { ادْخِلُوَاْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَ الْعَذَابِ } [ غافر : 46 ] ، { ولن تجد لهم نصيرًا } يمنعهم من ذلك العذاب . { إلا الذين تابوا } عن النفاق { وأصلحوا } ما أفسدوا في سرائرهم وأعمالهم في حال النفاق ، { واعتصموا بالله } أي : وثقوا به وتمسكوا به ، دون أحد سواه ، { وأخلصوا دينهم لله } لا يريدون بطاعته إلا وجه الله ، ولا رياءً ولا سمعةً { فأولئك مع المؤمنين } في الدين . قال الفرَّاء : من المؤمنين ، وقال العتبي : حاد عن كلامهم غيظًا عليهم ، ولم يقل هم المؤمنون . هـ . قلت : إنما قال : { مع المؤمنين } ولم يقل : منهم ، لأن التخلص من النفاق صعب ، ولا يكون من المؤمنين ، حتى يتخلص من جميع شعبه ، وهو عزيز ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه فهُوَ مُنَافقٌ ، وإن صَامَ وصلَّى وزَعم أنه مُسلمٌ ، من إذا حدَّثَ كَذَبَ ، وإذَا وعَدَ أخلفَ ، وإذا ائُتمِنَ خَانَ " . { وسوف يُؤت الله المؤمنين } المخلصين { أجرًا عظيمًا } فيساهُمونَهم فيه إن تابوا وأصلحوا ، فإن الله غني عن عذابهم ، ولذلك قال : { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } أي : لا حاجة له في عذابكم ، فلا يُشفى به غيظًا ولا يدفع به ضررًا ، أو يستجلب به نفعًا لأنه غنيَّ عن المنافع ، وإنما يعاقب المصر بكفره ، لأن إصراره عليه كسوء المزاج يؤدي إلى مرض فإن زال بالإيمان والشكر ، ونقَّى منه قلبه ، تخلص من تبعته . وإنما قدم الشكر لإن الناظر يدرك النعم أولاً فيشكر شكرًا مبهمًا ، ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به . قاله البيضاوي . وقال الثعلبي : فيه تقديم تأخير ، أي إن آمنتم وشكرتم ، لأن الشكر لا ينفع مع عدم الإيمان . { وكان الله شاكرًا } لأعمال عباده ، يقبل اليسير ويعطي الكثير ، { عليمًا } بحقيقة شكرهم وإيمانهم ، ومقدار أعمالهم ، فيضاعفها على قدر تخليصها . والله تعالى أعلم . الإشارة : لا شيء أصعب على النفس من الإخلاص كلما اجتهد العبد في قطع الرياء نبت على لون آخر ، فلا يتطهر العبد منها إلا بتحقيق الفناء والغيبة عن السوى بالكلية . كما قال الششتري رضي الله عنه : @ طهَّرَ العَينَ بالمَدامِعِ سَكبًا مِن شُهُودِ السَّوى تَزُل كلُّ عِلَّه @@ قال بعضهم : [ لا ينبت الإخلاص في القلب حتى يَسقط من عين الناس ، ويُسقط الناسَ من عينه ] . والإخلاص من أعمال القلوب ، فلا يطَّلع عليه إلا علآَّم الغيوب ، فلا يجوز أن يحكم على أحد بالرياء بمجرد ما يرى عليه من الإظهار ، وقد تدخل الرياء مع الإسرار ، وتتخلص من القلب مع الإظهار ، وفي الحكم : " ربما دخل الرياءُ عليك حيث لا ينظر الخلق إليك " . فإذا تخلص العبد من دقائق الرياء ، وأصلح ما بينه وبين الله واعتصم به دون شيء سواه ، كان مع المخلصين المقربين فيكون عمله موفورًا ، وسعيه مشكورًا . وبالله التوفيق . وقد تكلم في الإحياء على هذه الآية فقال : إنما كان المنافقون في الدرك الأسفل لأنهم جحدوا بعد العلم ، وإنما تضاعف عذاب العالم في معصيته لأنه عَصَى عن علم . قلت : وافهم منه قوله صلى الله عليه وسلم في أبي طالب " وَلَولاَ أنَا لَكَانَ فِي الدَّركِ الأسفلَ مِنَ النَّارِ " وذلك لاعراضه مع العلم . وقال في الإحياء أيضًا : شدَّد أمر المنافقين لإن الكافر كفرَ وأظهَرَ ، والمنافق كفر وستر ، فكان ستره لكفره كفرًا آخر ، لأنه استخف بنظر الله إلى قلبه ، وعظَّم أمر المخلوقين . هـ . والحاصل : أن التشديد في الرياء والنفاق لِمَا في ذلك من تعظيم نظر الخلق على نظر الخالق ، فكان أعظمَ من الكفر الصريح . هـ . من الحاشية .