Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 17-18)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { إنما التوبة } التي يُستحق { على الله } قبولُها فضلاً وإحسانًا هي { للذين يعملون السوء } أي : المعاصي متلبسين { بجهالة } أي : سفاهة وجهل وسوء أدب ، فكل من اشتغل بالمعصية فهو جاهل بالله ، قد انتزع منه الإيمان حتى يفرغ ، وإن كان عالمًا بكونها معصية ، { ثم يتوبون } بعد تلك المعصية { من قريب } أي : من زمن قريب ، وهو قبل حضور الموت لقوله بعدُ : { حتى إذا حضر أحدهم الموت } ، وقوله عليه الصلاة والسلام ـ : " إن الله يقبلُ توبةَّ العبْدِ مَا لمْ يُغَرْغِرُ " وإنما جعله قريبًا لأن الدنيا سريعة الزوال ، متاعها قليل وزمانها قريب ، { فأولئك يتوب الله عليهم } تصديقاً لوعده المتقدم ، { وكان الله عليمًا } بإخلاصهم التوبة ، { حكيمًا } في ترك معاقبة التائب ، إذ الحكمة هي وضع الشيء في محله . وعن الحسن : قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " لما أُهبط إبليسُ قال : وعزتك وعظمتك لا أفارق ابنَ آدم حتى تفارقَ روحُه جسدَه ، قال الله تعالى : وعزتي وعظمتي لا أحجب التوبة عن عبدي حتى يغرغر بها " وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ الشيطانَ قال : وعزتِك لا أبرح أُغوى عبادكَ ، ما دامتْ أرواحهم في أجسادهم . قال الله تعالى : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني " . قال ابن جزي : وإذا تاب العبد توبة صحيحة بشروطها ، فيُقطع بقبول توبت عند جمهور العلماء . وقال أبو المعالي : يَغُلِب ذلك على الظن ولا يقعطع . هـ . { وليست التوبة } مقبولة { للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت } أي : بلغت الحلقوم { قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار } فلا توبة لهم ، { أولئك أعتدنا } أي : أعددنا وهيأنا { لهم عذابًا أليما } ، قال البيضاوي : سوَّى الحقُ تعالى بين من سوَّف التوبة إلى حضور الموت من الفسقة ، وبين من مات على الكفر في نفي التوبة للمبالغة في عدم الاعتداد به في تلك الحالة ، وكأنه يقول : توبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء . وقيل : المراد بالذين يعملون السوء : عصاة المؤمنين ، وبالذين يعملون السيئات : المنافقون لتضاعف كفرهم ، وبالذين يموتون : الكفار . هـ . الإشارة : توبة العوام ليست كتوبة الخواص ، إنَّ الله يمهل العوام ترغيبًا لهم في الرجوع ، ويُعاقب الخواص على التأخير على قدر مقامهم في القرب من الحضرة ، فكلما عظُم القربُ عظمت المحاسبة على ترك المراقبة ، منهم من يسامح له في لحظة ، ومنهم في ساعة ، ومنهم في ساعتين ، على قدر المقام ، ثم يُعاتبهم ويردهم إلى الحضرة . وقال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي في حاشيته : { إنما التوبة على الله } أي : إنما الهداية بعد الذلة ، على الله لأنه الذي يُخلص من قَهْره بكرمه الفياض وبرحمته التي غلبت غضبه ، كما قال تعالى : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىَ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [ الأنعَام : 54 ] ، ونبه على وقوع الذنب بهم قهرًا ، ثم تداركهم بالهداية والإنابة ، فضلاً على علمه بتربيتهم وتدريجهم لمعرفته بالعلم والحكمة بقوله : { وكان الله عليمًا حكيمًا } . هـ .