Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 36-36)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الجُنب بالضم ـ : البعيد ، يقال فيه : جُنُب وأجنب وأجنبي ، وسمي الجُنبُ جُنُبًا لأنه يبعد من المسجد وعن الصلاة وعن التلاوة ، ومختال أسم فاعل ، وأصله : مختيل ، بالكسر ، من الخُيَلاَء وهو التكبر . يقول الحقّ جلّ جلاله : { واعبدوا الله } أي : وَحِّدُوه وأطيعوه { ولا تشركوا به شيئًا } جليًا أو خفيًا في اعتقادكم أو في عبادتكم ، فمن قصد الحج والتجارة ، فقد أشرك مع الله في عبادته ، وأحسنوا بالوالدين إحسانًا حسنًا ، وهو برهما والقيام بحقهما ، { وبذي القربى } ، أي : القرابة في النسب ، أو الدين { واليتامى } لضعف حالهم ، { والمساكين } لقلة ما بيدهم ، وقد شكى بعض الناس قساوة قلبه ، فقال له عليه الصلاة والسلام : " إن أردتَ أن يلين قلبُك ، فأطعم والمسكين وامسح رأس اليتيم ، وأطعمه " . { والجار ذي القربى } الذي قّرُب جواره أو نسبه ، { والجار الجُنب } الذي بَعُد مكانه أو نسبه ، وحَدَّد بعضُهم الجوار بأربعين دارًا من كل ناحية . وقال ابن عباس : الجار ذي القربى : الجار الذي بينك وبينه قرابة ، والجار الجنب : الجار من قوم آخرين . هـ . قيل يا رسول الله : ما حق الجار على الجار قال : " إن دعاك أجبتَه ، وإن أصابته فاقةٌ عُدتَ عليه ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن أصابه خير هنأته ، وإن مرض عُدْتَه ، وإن أصابته مصيبة عزيته ، وإن توفي شهدت جنازته ، ولا تستعل عليه بالبنيان لتحجب عنه الريح إلا بإذنه ، ولا تؤذه بقُتار قدرك أي : بخارها إلا أن تغرف له منها ، وإن ابتعت فاكهة فأهد له منها ، فإن لم تفعل فأدخلها سرًا ، ولا يخرج ولدك منها بشيء فيغيظ ولده ، " ثم قال : " الجيران ثلاثة : فَجَارٌ له ثلاثة حقوق : حق الجوَارِ ، وحق القرابة ، وحق الإسلام ، وجار له حقان : حق الجِوَار ، وحق الإسلام ، وجَارٌ له حق واحد : وهو المشرك من أهل الكتاب " . { والصاحب بالجنب } ، وهي الرفيق في أمر حسن ، كتعلم وتصرف وصناعة وسفر ، فإنه صحبك بجنبك ، وعن علي كرم الله وجهه أنها الزّوجة ، فيتأكد في حقها الإحسان زيادة على المعاشرة بالمعروف ، قال بعضهم : أول قدم في الولاية كفّ الأذى وحمل الجفا ، ومعيار ذلك حسن معاشرة الأهل والولد ، وقال عليه الصلاة والسلام ـ : " خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنسَائِه ، وأنَا خَيْرُكُمْ لِنسَائِي " { وابن السبيل } ، وهو الضيف أو المسافر لغرابته ، { وما ملكت أيمانكم } ، من الإماء والعبيد ، وكَانَ آخِرُ كلامِ النّبُي عليه الصلاة والسلام ـ : " الصلاةَ الصَلاةَ وَمَا مَلَكتْ أيمانُكُمْ " . { إن الله لا يحب مَن كان مختالاً } أي : متكبراً ، يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه ولا يلتفت إليهم ، { فخورا } يتفاخر عليهم بماله وجاهه ، وما خوله الله من نعمه ، فهو جدير أن تسلب منه . الإشارة : واعبدوا الله ، أي : بالقيام بوظائف العبودية ، ومشاهدة عظمة الربوبية ، وقال بعض الحكماء : العبودية : ترك الاختيار ، وملازمة الذل والافتقار . وقيل : العبودية أربعة أشياء : الوفاء بالعهود ، والحفظ للحدود ، والرضا بالموجود ، والصبر على المفقود ، وعنوان ذلك صفاء التوحيد ، ولذلك قال : { ولا تشركوا به شيئًا } أي : لا تَرَوْا معه غيره ، كما قال القائل : @ مُذْ عَرَفْتُ الإِلهَ لَم أرَ غَيْرًا وكَذَا الغَيْرُ عِنْدنَا ممْنُوعُ @@ وقال آخر : لو كُلفت أن أرى غيره ، لم أستطع ، فإنه لا غير معه حتى أشهده . فإذا حصلت العبودية في الظاهر ، وتحقق التوحيد في الباطن ، ظهرت عليه مكارم الأخلاق فيُحسن إلى الأقارب والأجانب ، ويجود عليهم بالحس والمعنى ، لأن الفتوة من شأن أهل التوحيد ، ومن شيم أهل التجريد ، كما هو معلوم من حالهم ، نفعنا الله بذكرهم ، وخرطنا في سلكهم . آمين . قال الورتجبي : " الوالدين " : مشايخ المعرفة . ثم نقل عن الجنيد ، أنه قال : أمرني أبي أمرًا ، وأمرني السري أمرًا . فقدمت أمر السري على أمر أبي ، وكل ما وجدت فهو من بركاته . هـ . وذوو القربى هم الأخوة في الشيخ ، { واليتامى } : من قصدهم من المتفقرة الجاهلة ، { والمساكين } : ضعفاء اليقين من العامة ، أمر الله تعالى أهل الخصوصية بالإحسان إليهم والبرور بهم ، وهو أن يقرهم في طريقهم ، وبحوشهم إلى ربهم . { والجار ذي القربى } وهو جارك في السكنى وأخوك في النسبة ، فيستحق عليك زيادة الإحسان . { والجار الجنب } : من جاورك من العوام فتنصحه وترشده ، { والصاحب بالجنب } : من رافقك في أمر من العوام ، كَسَفَرٍ وغيره ، { وابن السبيل } : من نزل بأهل الخصوصية من الأضياف ، فلهم حق الضيافة عليهم حسًّا ومعنًى ، { وما ملكت أيمانكم } : ما لكم تصرف عليهم الأهل والبنين والإماء والعبيد ، فتقربونهم إلى حضرة الملك المجيد . ثم أمرهم بالتواضع والإقبال على الخاص والعام . فقال : { إن الله لا يحب مَن كان مختالاً فخورًا } . والله تعالى أعلم .